للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(جَارَتُكِ) أَيْ ضَرَّتُكِ، أَوْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً لَهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَحْمِلَ اللَّفْظُ هُنَا عَلَى مَعْنَيَيْهِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى الضَّرَّةِ جَارَةً لِتَجَاوُرِهِمَا الْمَعْنَوِيِّ لِكَوْنِهِمَا عِنْدَ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِسِّيًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ امْرَأَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا ضَرَّةً، وَيَقُولُ: إِنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَذْهَبُ مِنْ رِزْقِ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَارَةٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي صَاحِبَ الرَّجُلِ وَخَلِيطَهُ جَارًا وَتُسَمِّي الزَّوْجَةَ أَيْضًا جَارَةً لِمُخَالَطَتِهَا الرَّجُلَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَارَ عُمَرُ تَسْمِيَتَهَا جَارَةً أَدَبًا مِنْهُ أَنْ يُضَافَ لَفْظُ الضَّرَرِ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.

قَوْلُهُ (أَوْضَأُ) مِنَ الْوَضَاءَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَوْسَمُ بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ الْوَسَامَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ، وَالْمُرَادُ أَجْمَلُ كَأَنَّ الْجَمَالَ وَسَمَهُ أَيْ أَعْلَمَهُ بِعَلَامَةٍ.

قَوْلُهُ (وَأَحَبُّ إِلَى النَّبِيِّ الْمَعْنَى لَا تَغْتَرِّي بِكَوْنِ عَائِشَةَ تَفْعَلُ مَا نَهَيْتُكِ عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذُهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَدِلُّ بِجَمَالِهَا وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ فِيهَا، فَلَا تَغْتَرِّي أَنْتِ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونِي عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَلَا يَكُونُ لَكِ مِنَ الْإِدْلَالِ مِثْلُ الَّذِي لَهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ: وَلَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنَهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا وَحُبُّ رَسُولِ اللَّهِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهِيَ أَبْيَنُ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ: لَا تَغْتَرِّي بِحُسْنِ عَائِشَةَ وَحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إِنَّهُ لَيْسَ لَكِ مِثْلُ حُظْوَةِ عَائِشَةَ وَلَا حُسْنُ زَيْنَبَ يَعْنِي بِنْتَ جَحْشٍ، وَالَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَالطَّيَالِسِيِّ يُؤَيِّدُ مَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَاسْتَحْسَنَهُ مَنْ سَمِعَهُ وَكَتَبُوهُ حَاشِيَةً، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْفَاعِلِ الَّذِي فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَهُوَ هَذِهِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ فَهَذِهِ فَاعِلٌ، وَالَّتِي نَعْتٌ، وَحُبٌّ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، كَمَا تَقُولُ أَعْجَبَنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَوْمٌ فِيهِ، وَسَرَّنِي زَيْدٌ حُبُّ النَّاسِ لَهُ اهـ.

وَثُبُوتُ الْوَاوِ يَرُدُّ عَلَى رَدِّهِ، وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: يَجُوزُ فِي حُبِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، أَوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: حُبٌّ فَاعِلٌ وَحُسْنَهَا بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ وَالتَّقْدِيرُ أَعْجَبَهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا مِنْ أَجْلِ حُسْنِهَا، قَالَ: وَالضَّمِيرُ الَّذِي يَلِي أَعْجَبَهَا مَنْصُوبٌ فَلَا يَصِحُّ بَدَلُ الْحُسْنِ مِنْهُ وَلَا الْحُبِّ، وَزَادَ عُبَيْدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا يَعْنِي لِأَنَّ أُمَّ عُمَرَ كَانَتْ مَخْزُومِيَّةً مِثْلَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَوَالِدَةُ عُمَرَ حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةَ، فَهِيَ بِنْتُ عَمِّ أُمِّهِ، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: وَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا خَالَةً لِكَوْنِهَا فِي دَرَجَةِ أُمِّهِ، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ارْتَضَعَتْ مَعَهَا أَوْ أُخْتَهَا مِنْ أُمِّهَا.

قَوْلُهُ (دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ) يَعْنِي مِنْ أُمُورِ النَّاسِ، وَأَرَادَتِ الْغَالِبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا: حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَزْوَاجِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهَا كُلِّ شَيْءٍ لَكِنَّهَا لَمْ تَرُدَّهُ. قَوْلُهُ (فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا) أَيْ مَنَعَتْنِي مِنَ الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُهُ، تَقُولُ: أَخَذَ فُلَانٌ عَلَى يَدِ فُلَانٍ، أَيْ: مَنَعَهُ عَمَّا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ.

قَوْلُهُ (كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ) أَيْ أَخَذَتْنِي بِلِسَانِهَا أَخْذًا دَفَعَنِي عَنْ مَقْصِدِي وَكَلَامِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ سَعْدٍ: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَيْ وَاللَّهِ، إِنَّا لِنُكَلِّمُهُ، فَإِنْ تَحَمَّلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ نَهَانَا عَنْهُ كَانَ أَطْوَعَ عِنْدَنَا مِنْكَ، قَالَ عُمَرُ: فَنَدِمْتُ عَلَى كَلَامِي لَهُنَّ، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: مَا يَمْنَعُنَا أَنْ نَغَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَزْوَاجُكُمْ يَغَرْنَ عَلَيْكُمْ، وَكَانَ الْحَامِلُ لِعُمَرِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ شِدَّةَ شَفَقَتِهِ وَعِظَمِ نَصِيحَتِهِ،