للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَكُونَ الرَّاوِي لَمَّا رَأَى قَوْلَ عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ فَجَزَمَ بِهِ، لَكِنَّ جَوَابَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الدُّخُولِ رَفْعُ الْحِجَابِ فَقَدْ يدخلَ مِنَ الْبَابِ وَتُخَاطِبُهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وَهْمِ الرَّاوِي فِي لَفْظَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثُهُ كُلُّهُ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَوْضِعٌ آخَرُ مُشْكِلٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَضَحِكَ النَّبِيُّ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ وَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ نَزَلَ عَقِبَ مَا خَاطَبَهُ عُمَرُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ تَأَخَّرَ كَلَامُهُ مَعَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَسِيَاقُ غَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَيْفَ يُمْهِلُ عُمَرَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا لَا يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِرْ سَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَقُومَ وَيَرْجِعَ إِلَى الْغُرْفَةِ وَيَسْتَأْذِنَ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ هَذَا سَهْلٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَهُ فَنَزَلَ أَيْ بَعْدَ أَنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى النَّبِيِّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهٌ عِنْدَ إِرَادَتِهِ النُّزُولَ فَنَزَلَ مَعَهُ، ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ فَذَكَّرَهُ كَمَا ذَكَّرَتْهُ عَائِشَةَ كما سَيَأْتِي، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ تَأَخُّرَ قِصَّةِ التَّخْيِيرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ الَّتِي قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا فِي الْمَظَالِمِ: وَكَانَ مَنْ حَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ إِلَّا مَلِكَ غَسَّانَ بِالشَّامِ فَإِنَّ الِاسْتِقَامَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ مَضَى فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ

سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ اهـ. وَالْفَتْحُ كَانَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَرُجُوعُ النَّبِيِّ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا فَلِهَذَا كَانَتْ سَنَةُ تِسْعٍ تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ لِكَثْرَةِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَرَبِ، فَظَهَرَ أَنَّ اسْتِقَامَةَ مَنْ حَوْلَهُ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِيرَ كَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ. وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وهو المعتمد.

قَوْلُهُ (وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي) فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ أَنَّهُ: دَخَلَ أَوَّلًا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَتْ: مَا لِي وَلَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ وَهِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ، أَيْ: عَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَمَوْضِعِ سِرِّكَ، وَأَصْلُ الْعَيْبَةِ الْوِعَاءُ الَّذِي تُجْعَلُ فِيهِ الثِّيَابُ وَنَفِيسُ الْمَتَاعِ، فَأَطْلَقَتْ عَائِشَةُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا عَيْبَةُ عُمَرَ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ، وَمُرَادُهَا عَلَيْكَ بِوَعْظِ ابْنَتِكَ.

قَوْلُهُ (أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَا يُحِبُّكِ، وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ، فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ لِمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا مِنَ الْحُزْنِ عَلَى فِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ وَلِمَا تَتَوَقَّعُهُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ أَبِيهَا عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ لَهَا فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ طَلَّقَكِ لَا أُكَلِّمُكِ أَبَدًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالْحَاكِمُ أَنَّ النَّبِيَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَلِابْنِ سَعْدٍ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُهُ وَزَادَ: فَقَالَ النَّبِيُّ إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ لِي: رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ وَقَيْسٌ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، وَنَحْوُهُ عِنْدَهُ مِنْ مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.

قَوْلُهُ (هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ) فِي رِوَايَةِ سَمَاكٍ فَقُلْتُ لَهَا أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَتْ: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ الْمَشْرُبَةِ وَتَفْسِيرُهَا فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ وَأَنَّهَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَجَمْعُهَا مَشَارِبُ وَمَشْرُبَاتٌ.

قَوْلُهُ (فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُثُونَ بِالْحَصَا أَيْ يَضْرِبُونَ بِهِ الْأَرْضَ كَفِعْلِ الْمَهْمُومِ الْمُفَكِّرِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ غَلَبَنِي