إِلَى خَالِدٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، وَخَالِدٍ) يَعْنِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ.
قَوْلُهُ (قَالَ خَالِدٌ وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ سُفْيَانَ، الثَّوْرِيِّ اخْتَلَفَتْ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ هُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ أَوْ قَوْلُ خَالِدٍ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ دُونَ رِوَايَةِ أَيُّوبَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ خَالِدٍ وَذَكَرَ الزِّيَادَةَ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَصَلَ طَرِيقَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةَ مُسْلِمٌ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا، قَالَ خَالِدٌ إِلَخْ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، وَالْقَاسِمُ ابْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدْنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَشَذَّ أَبُو قِلَابَةَ الرِّقَاشِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ، وَأَيُّوبَ جَمِيعًا، وَقَالَ فِيهِ: قَالَ ﷺ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ، وَقَالَ: حَدَّثَنَاهُ الصَّغَانِيُّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَقَالَ: هُوَ غَرِيبٌ لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَهُ غَيْرَ أَبِي قِلَابَةَ انْتَهَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ السِّيَاقَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ لِخَالِدٍ، وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ هَذِهِ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو قِلَابَةَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ أَيُّوبَ جَزَمَ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَيُّوبَ مِثْلَهُ، فَبَيَّنْتُ أَنَّ رِوَايَةَ خَالِدٍ هِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا: مِنَ السُّنَّةِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ أَيُّوبَ قَالَ فِيهَا: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدْلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ قَبْلَ الْجَدِيدَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الزِّفَافِ وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَمْ لَا، وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَيَجِبُ.
وَهَذَا يُوَافِقُ كَلَامَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنْ لَا فَرْقَ، وَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ يُعَضِّدُهُ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَمَسَّكَ لِلْآخَرِ بِسِيَاقِ بِشْرٍ عَنْ خَالِدٍ الَّذِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِهَا، لَكِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، بَلْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ التَّقْيِيدُ، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ خَالِدٍ: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ الْحَدِيثَ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: ثُمَّ قَسَمَ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى، وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ سَوَاءٌ فِي الثَّلَاثِ، وَعَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فِي قَوْلُهُ لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ وَلِلثَّيِّبِ يَوْمَانِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَخَصَّ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَوْ أَرَادَتِ الثَّيِّبُ أَنْ يُكْمِلَ لَهَا السَّبْعَ فَإِنَّهُ إِذَا أَجَابَهَا سَقَطَ حَقَّهَا مِنَ الثَّلَاثِ وَقَضَى السَّبْعَ لِغَيْرِهَا، لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: إِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ، قَالَتْ: ثَلِّثْ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَقْضِي السَّبْعَ أَوِ الْأَرْبَعَ الْمَزِيدَةَ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ: إِنِ اخْتَارَ السَّبْعَ قَضَاهَا كُلَّهَا، وَإِنْ أَقَامَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا قَضَى الْأَرْبَعَ الْمَزِيدَةَ.
تَنْبِيهٌ:
يُكْرَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي السَّبْعِ أَوِ الثَّلَاثِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذَا فِي النَّهَارِ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَا يُتْرَكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute