وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ مِنْهُ الْفَاحِشَةُ، مَأْخُوذٌ مِنَ التَّكَسُّرِ فِي الْمَشْيِ وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَدَبِ لَعْنُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ، فَنَفَاهُ إِلَى النَّقِيعِ، فَقِيلَ: أَلَا تَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ: إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ.
قَوْلُهُ (فَقَالَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ) تَقَدَّمَ شَرْحُ حَالِهِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ، وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْقَوْلِ مِنْهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: لِأَخِي عَائِشَةَ، وَلِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَوْصُوفَةَ حَصَلَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الطَّائِفَ لَمْ يُفْتَحْ حِينَئِذٍ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فِي حَالِ الْحِصَارِ، وَلَمَّا أَسْلَمَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَسْلَمَتْ بِنْتُهُ بَادِيَةُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقُدِّرَ أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ عِنْدَهُ وَسَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لَيْلَى بِنْتَ الْجُودِيِّ وَقِصَّتُهُ مَعَهَا مَشْهُورَةٌ، وَقَدْ وَقَعَ حَدِيثٌ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاص أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ: مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْهَا؟ فَقَالَ مُخَنَّثٌ يُقَالُ لَهُ هِيتٌ: أَنَا أَصِفُهَا لَكَ. فَهَذِهِ قِصَصٌ وَقَعَتْ لِهِيتٍ.
قَوْلُهُ (إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمُ الطَّائِفَ غَدًا) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي أَوَّلِهِ: وَهُوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَاضِحًا. قَوْلُهُ (فَعَلَيْكَ) هُوَ إِغْرَاءٌ مَعْنَاهُ احْرِصْ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَالْزَمْهَا.
قَوْلُهُ (غَيْلَانُ) فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: لَوْ قَدْ فُتِحَتْ لَكُمُ الطَّائِفُ لَقَدْ أَرَيْتُكَ بَادِيَةَ بِنْتَ غَيْلَانَ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ بَادِيَةَ فَالْأَكْثَرُ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ، وَقِيلَ بِنُونٍ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ حَكَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَلِبَادِيَةَ ذِكْرٌ فِي الْمَغَازِي، ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الطَّائِفَ أَعْطِنِي حُلِيَّ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْلَى نِسَاءِ ثَقِيفٍ، وَغَيْلَانُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ بِمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثَقِيلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ابْنُ مَالِكٍ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ ثَقِيفٍ وَعَاشَ إِلَى أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ ﵁.
قَوْلُهُ (تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مَالِكٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْكَانَهَا يَنْعَطِفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَهِيَ فِي بَطْنِهَا أَرْبَعَ طَرَائِقَ وَتَبْلُغُ أَطْرَافُهَا إِلَى خَاصِرَتِهَا فِي كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعٌ، وَلِإِرَادَةِ الْعُكَنِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ وَالثَّمَانِ. فَلَوْ أَرَادَ الْأَطْرَافَ لَقَالَ بِثَمَانِيَةٍ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي بَابِ إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْبُيُوتِ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ يَعْنِي بِأَرْبَعِ عُكَنٍ بِبَطْنِهَا فَهِيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، يَعْنِي: أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبِ حِينَ يَتَجَعَّدُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ بِثَمَانٍ وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ - وَوَاحِدُ الْأَطْرَافِ مُذَكَّرٌ - لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِقَوْلِهِ ثَمَانٍ بِدُونِ الْهَاءِ تَوْجِيهَيْنِ: إِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْأَطْرَافِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَرَادَ الْعُكَنَ، وَتَفْسِيرُ مَالِكٍ الْمَذْكُورُ تَبِعَهُ فِيهِ الْجُمْهُورُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ لَهَا فِي بَطْنِهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ رُؤِيَتْ مَوَاضِعُهَا بَارِزَةً مُتَكَسِّرًا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ كَانَتْ أَطْرَافُ هَذِهِ الْعُكَنِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ مُنْقَطِعِ جَنْبَيْهَا ثَمَانِيَةً.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا مَمْلُوءَةُ الْبَدَنِ بِحَيْثُ يَكُونُ لِبَطْنِهَا عُكَنٌ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلسَّمِينَةِ مِنَ النِّسَاءِ، وَجَرَتْ عَادَةُ الرِّجَالِ غَالِبًا فِي الرَّغْبَةِ فِيمَنْ تَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ: إِنْ أَقْبَلَتْ قُلْتَ تَمْشِي بِسِتٍّ، وَإِنْ أَدْبَرَتْ قُلْتَ تَمْشِي بِأَرْبَعٍ كَأَنَّهُ يَعْنِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَطَرَفَيْ ذَاكَ مِنْهَا مُقْبِلَةً وَرُدَّ فِيهَا مُدْبِرَةً، وَإِنَّمَا نَقَصَ إِذَا أَدْبَرَتْ لِأَنَّ الثَّدْيَيْنِ يَحْتَجِبَانِ حِينَئِذٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ زِيَادَةً بَعْدَ قَوْلِهِ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ: بِثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ، إِنْ قَعَدَتْ تَثَنَّتْ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ، وَبَيْنَ رِجْلَيْهَا مِثْلُ الْإِنَاءِ الْمَكْفُوءِ، مَعَ شِعْرٍ آخَرَ. وَزَادَ الْمَدِينِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: أَسْفَلُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute