فَلَا يَكُونُ طَلَاقُهَا بِدْعِيًّا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ وَقَعَ بِقُرْبِ الْوِلَادَةِ، وَمِنْهَا إِذَا طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُولِي وَاتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ، وَكَذَا فِي صُورَةِ الْحَكَمَيْنِ إِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِرَفْعِ الشِّقَاقِ، وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَكَذَا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: اسْمُهَا آمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ قَالَهُ ابْنُ بَاطِيشٍ، وَنَقَلَهُ عَنِ النَّوَوِيِّ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ بَعْدَهُ مِنْهُمُ الذَّهَبِيُّ فِي تَجْرِيدِ الصَّحَابَةِ لَكِنْ قَالَ فِي مُبْهَمَاتِهِ: فَكَأَنَّهُ أَرَادَ مُبْهَمَاتِ التَّهْذِيبِ. وَأَوْرَدَهَا الذَّهَبِيُّ فِي آمِنَةَ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمِيمِ ثُمَّ نُونٍ، وَأَبُوهَا غِفَارٌ ضَبَطَهُ ابْنُ يَقَظَةَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ مُسْتَنِدَ ابْنِ بَاطِيشٍ فِي أَحَادِيثِ قُتَيْبَةَ جَمَعَ سَعِيدُ الْعَيَّارُ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ عَمَّارٍ ; كَذَا رَأَيْتُهَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ ثَقِيلَةٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ النَّوَارَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَيُونُسُ شَيْخُ أَحْمَدَ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ مِنْ رِجَالِهِمَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ وَلَكِنْ لَمْ تُسَمَّ عِنْدَهُمَا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ اسْمُهَا آمِنَةَ وَلَقَبُهَا النَّوَارَ.
قَوْلُهُ (وَهِيَ حَائِضٌ) فِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي دَمِهَا حَائِضٌ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَيْضِهَا.
قَوْلُهُ (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمِثْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ؛ اسْتِغْنَاءً بِمَا فِي الْخَبَرِ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَلْزَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي عَهْدِهِ، وَزَادَ اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ جَوَّدَ اللَّيْثُ فِي قَوْلَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً اهـ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَالَ: مَكَثْت عِشْرِينَ سَنَةً يُحَدِّثنِي مَنْ لَا أَتَّهِم أَنَّ اِبْن عُمَر طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِض، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعهَا، فَكُنْت لَا أَتَّهِمهُمْ وَلَا أَعْرِف وَجْه الْحَدِيث، حَتَّى لَقِيت أَبَا غَلَّاب يُونُس بْن جُبَيْر وَكَانَ ذَا ثَبَتٍ، فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن عُمَر فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته تَطْلِيقَة وَهِيَ حَائِض وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ قَالَ طَلَّقَ اِبْن عُمَر اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض وَاحِدَة وَمِنْ طَرِيق عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ الْحَسَن عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته تَطْلِيقَة وَهِيَ حَائِض.
قَوْله (فَسَأَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَسُول اللَّه ﷺ عَنْ ذَلِكَ) فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ نَافِع فَأَتَى عُمَر النَّبِيّ ﷺ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَذَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ يُونُس بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عُمَر، وَكَذَا عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة يُونُس بْن عُبَيْد عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ يُونُس بْن جُبَيْر، وَكَذَا عِنْده فِي رِوَايَة طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عُمَر، وَكَذَا فِي رِوَايَة الشَّعْبِيّ الْمَذْكُورَة، وَزَادَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَته كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير عَنْ سَالِم أَنَّ اِبْن عُمَر أَخْبَرَهُ، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُول اللَّه ﷺ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي رِوَايَة غَيْر سَالِم، وَهُوَ أَجَلُّ مَنْ رَوَى الْحَدِيث عَنْ اِبْن عُمَر، وَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ الطَّلَاق فِي الْحَيْض كَانَ تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ. وَإِلَّا لَمْ يَقَع التَّغَيُّظ عَلَى أَمْر لَمْ يَسْبِق النَّهْي عَنْهُ. وَلَا يُعَكِّر عَلَى ذَلِكَ مُبَادَرَة عُمَر بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عَرَفَ حُكْم الطَّلَاق فِي الْحَيْض وَأَنَّهُ مَنْهِيّ عَنْهُ وَلَمْ يَعْرِف مَاذَا يَصْنَع مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: سُؤَال عُمَر مُحْتَمِل لِأَنْ يَكُون أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا قَبْلهَا مِثْلهَا فَسَأَلَ لِيَعْلَم، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لَمَّا رَأَى فِي الْقُرْآن قَوْله ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ وَقَوْله ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute