للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ لَكِنْ قَالَ: إِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ مِثْلَهُ، لَكِنْ قَالُوا: إِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَهِيَ يَمِينٌ وَيَصِيرُ مُولِيًا، وَهُوَ عَجِيبٌ وَالْأَوَّلُ أَعْجَبُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يَمِينُ الْحَرَامِ تُكَفَّرُ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْرٍ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ. وَمِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ كَانَ مُظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ مُغَلَّظَةٍ وَهِيَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا ظِهَارًا حَقِيقَةً، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ أَرَادَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالْحَكَمِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: فِي الْحَرَامِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَعَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَرَبِيعَةَ: لَا شَيْءَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ عَنِ السَّلَفِ بَلَّغَهَا الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرَ إِلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْلًا، وَزَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا. وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيهَا تَفَاصِيلُ أَيْضًا يَطُولُ اسْتِيعَابُهَا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: سَبَبُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحًا وَلَا فِي السُّنَّةِ نَصٌّ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَتَجَاذَبَهَا الْعُلَمَاءُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا يَمِينٌ أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ وَمَنْ قَالَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ التَّحْرِيمُ فَوَقَعَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَعْنَى، وَمَنْ قَالَ تَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَقَلُّ مَا تُحَرَّمُ بِهِ الْمَرْأَةُ طَلْقَةٌ تُحَرِّمُ الْوَطْءَ مَا لَمْ يَرْتَجِعْهَا، وَمَنْ قَالَ بَائِنَةٌ فَلِاسْتِمْرَارِ التَّحْرِيمِ بِهَا مَا لَمْ يُجَدِّدِ الْعَقْدَ، وَمَنْ قَالَ ثَلَاثٌ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى مُنْتَهَى وُجُوهِهِ، وَمَنْ قَالَ ظِهَارٌ نَظَرَ إِلَى مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَقَطَعَ النَّظَرَ عَنِ الطَّلَاقِ فَانْحَصَرَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ فِي الظِّهَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَسَمَّوْهُ حَرَامًا بِالطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ) أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَرِّحَ الْقَائِلُ بِالطَّلَاقِ أَوْ يَقْصِدَ إِلَيْهِ، فَلَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى غَيْرَ الطَّلَاقِ فَهُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ.

قَوْلُهُ (وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلطَّعَامِ الْحِلِّ حَرَامٌ وَيُقَالُ لِلْمُطَلَّقَةِ حَرَامٌ، وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثًا: لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) قَالَ الْمُهَلَّبُ: مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فِيمَا خَفَّفَ عَنْهُمْ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُمْ كَانُوا إِذَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا حَرُمَ عَلَيْهِمْ كَمَا وَقَعَ لِيَعْقُوبَ ، فَخَفَّفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِمَّا أُحِلَّ لَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ اهـ. وَأَظُنُّ الْبُخَارِيُّ أَشَارَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَوَّى بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبَيْنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُمْ، فَبَيَّنَ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ وَإِنِ اسْتَوَيَا مِنْ جِهَةٍ فَقَدْ يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَالزَّوْجَةُ إِذَا حَرَّمَهَا الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَطْلِيقَهَا حَرُمَتْ، وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ إِذَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَلِهَذَا احْتَجَّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ وَوَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهُكَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي جَعَلْتُ امْرَأَتِي حَرَامًا، قَالَ: لَيْسَتْ عَلَيْكَ بِحِرَامٍ.

قَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ