للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥٢٨١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ذَاكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ يَبْكِي عَلَيْهَا"

٥٢٨٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ Object قَالَ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ عَبْدًا لِبَنِي فُلَانٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ"

قَوْلُهُ (بَابُ خِيَارِ الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ) يَعْنِي إِذَا عَتَقَتْ، وَهَذَا مَصِيرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا، وَقَدْ تَرْجَمَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ بَابُ الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَهُوَ جَزْمٌ مِنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ هُنَاكَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا، وَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا لَا يَدُلُّ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ يَدَّعِي أَنْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِصَّةَ بَرِيرَةَ لَمْ تَتَعَدَّدْ، وَقَدْ رَجَحَ عِنْدَهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا فَلِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ، وَاقْتَضَتِ التَّرْجَمَةُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَعُتِقَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى ذَلِكَ، وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ عَتَقَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَمْ عَبْدٍ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى راويه هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَحَدُ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَقارنِ مُسْلِمٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: خَالَفَ الْأَسْوَدُ النَّاسَ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا عَنِ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ، وَمَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِذَاكَ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَرَوَاهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا رَوَى عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ شَيْئًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ، وَإِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَعَقْدُهَا الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يُفْسَخُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اهـ.

وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا بَعْدَ بَابَيْنِ وَحَاوَلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ تَرْجِيحَ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا، فَقَالَ: الرِّقُّ تَعْقُبُهُ الْحُرِّيَّةُ بِلَا عَكْسٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ مَحِلَّ طَرِيقِ الْجَمْعِ إِذَا تَسَاوَتِ الرِّوَايَاتُ فِي الْقُوَّةِ أَمَّا مَعَ التَّفَرُّدِ فِي مُقَابَلَةِ الِاجْتِمَاعِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الْمُنْفَرِدَةُ شَاذَّةً وَالشَّاذُّ مَرْدُودٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرِ الْجُمْهُورُ طَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ مُحَقِّقِيهِمْ وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَحِلَّ الْجَمْعِ إِذَا لَمْ يَظْهَرِ الْغَلَطُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ التَّسَاوِيَ فِي الْقُوَّةِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُكَافِئٍ لِلْحُرَّةِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، فَإِذَا عَتَقَتْ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ مِنَ الْبَقَاءِ فِي عِصْمَتِهِ أَوِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا الْخِيَارَ وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ بِأَنَّهَا عِنْدَ التَّزْوِيجِ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ لِمَوْلَاهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِذَا عَتَقَتْ تَجَدَّدَ لَهَا حَالٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَعَارَضَهُمُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْبِكْرِ إِذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا ثُمَّ بَلَغَتْ رَشِيدَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ لَهَا بِالْعِتْقِ حَالٌ تَرْتَفِعُ بِهِ عَنِ