إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَيُعَاضُ بِغَيْرِ وَاوٍ.
وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا﴾ قَالَ: لَا إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ). وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ الْيَوْمَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فَذَكَرَهُ سَوَاءً، وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ الْآتِي وَزَادَ: وَقَدِ انْقَطَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَا يُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا﴾ قَالَ: مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْكُفَّارِ فَلْيُعْطِهِمُ الْكُفَّارُ صَدُقَاتِهِنَّ وَلْيُمْسِكُوهُنَّ، وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْكُفَّارِ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَكَذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الشُّرُوطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغْنَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا أَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِمَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، أَيْ أَبَوْا أَنْ يَعْمَلُوا بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا جَاءَتْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمَةً لَمْ يَرُدَّهَا الْمُسْلِمُونَ إِلَى زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ بَلْ يُعْطُونَهُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ صَدَاقٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا بِعَكْسِهِ، فَامْتَثَلَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَعْطَوْهُمْ، وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَمْتَثِلُوا ذَلِكَ فَحَبَسُوا مَنْ جَاءَتْ إِلَيْهِمْ مُشْرِكَةً وَلَمْ يُعْطُوا زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَلِهَذَا نَزَلَتْ: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ﴾ قَالَ: وَالْعَقِبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى الْكُفَّارِ.
وَأَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ: فَلَوْ ذَهَبَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ رَدَّ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى زَوْجِهَا النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقَبِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمُ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَرُدُّوهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ نَفَقَاتِهِمُ الَّتِي أَنْفَقُوا عَلَى أَزْوَاجِهِمُ اللَّاتِي آمَنَّ وَهَاجَرْنَ، ثُمَّ رَدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَضْلًا إِنْ كَانَ بَقِيَ لَهُمْ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ: فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقَبَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ أَيْ أَصَبْتُمْ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُشْرِكَاتِ عِوَضَ مَا فَاتَ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمَاتِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْ أَصَبْتُمْ غَنِيمَةً فَأَعْطُوا مِنْهَا، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْجِهَةِ الْأَوْلَى شَيْءٌ، وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ.
وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ: وَمَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا وَهَذَا النَّفْيُ لَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْقِصَّةُ، لِأَنَّ مَضْمُونَ الْقِصَّةِ أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ ذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا الْكَافِرِ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً فَالنَّفْيُ مَخْصُوصٌ بِالْمُهَاجِرَاتِ فَيَحْتَمِلُ كَوْنُ مَنْ وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُهَاجِرَاتِ كَالْأَعْرَابِيَّاتِ مَثَلًا، أَوِ الْحَصْرِ عَلَى عُمُومِهِ فَتَكُونُ نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْمُشْرِكَةِ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ مَثَلًا فَهَرَبَتْ مِنْهُ إِلَى الْكُفَّارِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ يُونُسَ الْمَاضِيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ ارْتَدَّتْ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثَقَفِيٌّ، وَلَمْ تَرْتَدَّ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُهَا، ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ ثَقِيفٍ حِينَ أَسْلَمُوا، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، لِأَنَّ أُمَّ الْحَكَمِ هِيَ أُخْتُ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ مُشْرِكَةً وَأَنَّ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ فَارَقَهَا لِذَلِكَ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ، فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ.
(تَنْبِيهٌ): اسْتَطْرَدَ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَصْلِ تَرْجَمَةِ الْبَابِ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ آيَةِ الِامْتِحَانِ، فَذَكَرَ أَثَرَ عَطَاءٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute