للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَرْفُوعِ - سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ. اهـ، وَأَنْكَرَ شَيْخُنَا فِي التَّدْرِيبِ إِدْخَالَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: الْإِيلَاءُ الْمَعْقُودُ لَهُ الْبَابُ حَرَامٌ يَأْثَمُ بِهِ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ اهـ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ تَرْكِ الْجِمَاعِ فِيهِ، وَقَدْ كُنْتُ أَطْلَقْتُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْمَظَالِمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ أَنَسٍ آلَى أَيْ حَلَفَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيلَاءَ الْعُرْفِيَّ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ اتِّفَاقًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ قَدِيمًا فَلْيُقَيَّدْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى رَأْيِ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ حُكْمُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ تَرْكِ الْجِمَاعِ إِلَّا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِي كَوْنِهِ حَرَامًا أَيْضًا خِلَافٌ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ جِمَاعِ نِسَائِهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا تَدْخُلَ إِحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي اعْتَزَلَ فِيهِ، إِلَّا إِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيَتِمُّ اسْتِلْزَامُ عَدَمِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْعَزْمَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ فِي آخِرِ حَدِيثِ عُمَرَ مِثْلُ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَنَّهُ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْرًا. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ، لَكِنْ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إِرْسَالَهُ عَلَى وَصْلِهِ. وَقَدْ يُتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ: حَرَّمَ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ جِمَاعِهِنَّ، لَكِنْ تَقَدَّمَ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ تَحْرِيمُ شُرْبِ الْعَسَلِ أَوْ تَحْرِيمُ وَطْءِ مَارِيَةَ سُرِّيَّتَهُ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لَفْظُ اعْتَزَلَ مَعَ مَا فِيهِ.

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ) هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَحِيُّ ابْنُ عَمِّ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِالنِّسْبَةِ لِحُمَيْدٍ دَرَجَتَيْنِ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَدَرَجَةً بِالنِّسْبَةِ لِسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ الْكَثِيرَ بِوَاسِطَةِ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ فِي الصِّيَامِ وَفِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ، وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذَا الْإِسْنَادِ النَّازِلِ التَّصْرِيحُ فِيهِ عَنْ حُمَيْدٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ قَوْلِهِ: آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَشَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ زِيَادَةُ قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ سُقُوطُهُ عَنِ الْفَرَسِ وَصَلَاتُهُ بِأَصْحَابِهِ جَالِسًا، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الزِّيَادَةِ هُنَاكَ.

وَمِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ عَلَى يَوْمٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ لَمْ يَطَأْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَانَ إِيلَاءً، وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِثْلُهُ وَأَنْكَرَهُ الْأَكْثَرُ، وَصَنِيعُ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ التِّرْمِذِيِّ فِي إِدْخَالِ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ يَقْتَضِي مُوَافَقَةَ إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ، وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمُولِي، فَإِنْ فَاءَ بَعْدَهَا وَإِلَّا أُلْزِمَ بِالطَّلَاقِ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ - سَمَّى أَجَلًا أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ - فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يَعْنِي أُلْزِمَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا اللَّيْلَةَ، فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ أَجَلِ يَمِينِهِ تِلْكَ فَهُوَ إِيلَاءٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ إِيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ.