للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ اللِّعَانِ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّعْنِ، لِأَنَّ الْمُلَاعِنَ يَقُولُ: لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ دُونَ الْغَضَبِ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ، وَهُوَ الَّذِي بُدِئَ بِهِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ أَيْضًا يَبْدَأُ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَيَسْقُطُ عَنِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ عَكْسٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَ لِعَانًا لِأَنَّ اللَّعْنَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا خُصَّتِ الْمَرْأَةُ بِلَفْظِ الْغَضَبِ لِعِظَمِ الذَّنْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَصِلْ ذَنْبُهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ الْقَذْفِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ كَاذِبَةٌ فَذَنْبُهَا أَعْظَمُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلْوِيثِ الْفِرَاشِ وَالتَّعَرُّضِ لِإِلْحَاقِ مَنْ لَيْسَ مِنَ الزَّوْجِ بِهِ، فَتَنْتَشِرُ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ وَالْمِيرَاثُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُمَا.

وَاللِّعَانُ وَالِالْتِعَانُ وَالْمُلَاعَنَةُ بِمَعْنًى، وَيُقَالُ: تَلَاعَنَا وَالْتَعَنَا وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَالرَّجُلُ مُلَاعِنٌ وَالْمَرْأَةُ مُلَاعِنَةٌ لِوُقُوعِهِ غَالِبًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ التَّحَقُّقِ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ، لَكِنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ قَوِيَ الْوُجُوبُ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَاتِ كُلَّهَا، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَرْمُونَ﴾ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ غَيْرُهُ لِلْجُمْهُورِ بِهَا فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِالْتِعَانِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: رَأَيْتُهَا تَزْنِي، وَلَا أَنْ يَنْفِيَ حَمْلَهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ وَلَدَهَا إِنْ كَانَتْ وَضَعَتْ خِلَافًا لِمَالِكٍ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: إِنَّهَا زَانِيَةٌ أَوْ زَنَتْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّهَ شَرَعَ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِرَمْيِ الْمُحْصَنَةِ، ثُمَّ شَرَعَ اللِّعَانَ بِرَمْيِ الزَّوْجَةِ، فَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا قَالَ: يَا زَانِيَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللِّعَانِ. وَأَوْرَدُوا عَلَى الْمَالِكِيَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ لِلْأَعْمَى فَانْفَصَلَ عَنْهُ ابْنُ الْقَصَّارِ بِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَقُولَ: لَمَسْتُ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَذَفَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ) بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَعِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِكِتَابٍ بِلَا هَاءٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ إِشَارَةٍ

أَوْ إِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ فَهُوَ كَالْمُتَكَلِّمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ أَجَازَ الْإِشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ) أَيْ فِي الْأُمُورِ الْمَفْرُوضَةِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: لَمَّا قَالُوا لِمَرْيَمَ: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا إِلَخْ، أَشَارَتْ إِلَى عِيسَى أَنْ كَلِّمُوهُ، فَقَالُوا: تَأْمُرُنَا أَنْ نُكَلِّمَ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ زِيَادَةً عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الدَّاهِيَةِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ فَكَانَتْ فِي حُكْمِ الْأَخْرَسِ فَأَشَارَتْ إِشَارَةً مُفْهِمَةً اكْتَفَوْا بِهَا عَنْ مُعَاوَدَةِ سُؤَالِهَا وَإِنْ كَانُوا أَنْكَرُوا عَلَيْهَا مَا أَشَارَتْ بِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَنْسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أَيْ صَمْتًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الضَّحَّاكُ) أَيِ ابْنُ مُزَاحِمٍ (إِلَّا رَمْزًا إِشَارَةٌ) وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ فِي تَفْسِيرِ سُفْيَانَ، الثَّوْرِيِّ، وَلَفْظُهُمَا عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا﴾ فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنَ الْكَلَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَهُ. وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: الضَّحَّاكُ هُوَ ابْنُ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيُّ، فَلَمْ يُصِبْ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ بِالتَّفْسِيرِ هُوَ ابْنُ مُزَاحِمٍ، وَقَدْ وُجِدَ الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْهُ مُصَرِّحًا أَنَّهُ ابْنُ مُزَاحِمٍ، وَأَمَّا ابْنُ شَرَاحِيلَ وَيُقَالُ ابْنُ شُرَحْبِيلَ فَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ لَكِنْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْهُ شَيْئًا مِنَ التَّفْسِيرِ، بَلْ لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ حَدِيثَانِ فَقَطْ أَحَدُهُمَا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالْآخَرُ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: الرَّمْزُ الْإِشَارَةُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ مِنَ الْأَخْرَسِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ زَعَمَ إِنْ طَلَّقَ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ