للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَسَنٍ وَلَفْظُهُ: مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الذَّنْبُ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو (١) مَرْفُوعًا: مَا عُوقِبَ رَجُلٌ عَلَى ذَنْبٍ إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ كَفَّارَةً لِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ. وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّنِي لَمْ أَرَ مَنْ أَزَالَ اللَّبْسَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ، وَاللَّهُ الْهَادِي.

قَوْلُهُ: (فَعُوقِبَ بِهِ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُرِيدُ بِهِ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ وَالْجَلْدَ أَوِ الرَّجْمَ فِي الزِّنَا. قَالَ: وَأَمَّا قَتْلُ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لَهُ عُقُوبَةٌ مَعْلُومَةٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ قَتْلَ النَّفْسِ فَكَنَّى عَنْهُ، قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَعُوقِبَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِ إِنَّمَا هُوَ رَادِعٌ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَالطَّلَبُ لِلْمَقْتُولِ قَائِمٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ حَقٌّ. قُلْتُ: بَلْ وَصَلَ إِلَيْهِ حَقٌّ أَيُّ حَقٍّ، فَإِنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا تُكَفَّرُ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِالْقَتْلِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ مَحَا كُلَّ شَيْءٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوُهُ، وَلِلْبَزَّارِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: لَا يَمُرُّ الْقَتْلُ بِذَنْبٍ إِلَّا مَحَاهُ فَلَوْلَا الْقَتْلُ مَا كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ، وَأَيُّ حَقٍّ يَصِلُ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟ وَلَوْ كَانَ حَدُّ الْقَتْلِ إِنَّمَا شُرِعَ لِلرَّدْعِ فَقَطْ لَمْ يُشْرَعِ الْعَفْوُ عَنِ الْقَاتِلِ، وَهَلْ تَدْخُلُ فِي الْعُقُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَصَائِبُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنَ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَغَيْرِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.

وَيَدُلُّ لِلْمَنْعِ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَصَائِبَ لَا تُنَافِي السَّتْرَ، وَلَكِنْ بَيَّنَتِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ أَنَّ الْمَصَائِبَ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ مَا لَا حَدَّ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ كَفَّارَةٌ لِلذَّنْبِ وَلَوْ لَمْ يَتُبِ الْمَحْدُودُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَوَافَقَهُمُ ابْنُ حَزْمٍ وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِاسْتِثْنَاءِ مَنْ تَابَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي عُقُوبَةِ الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ قُيِّدَتْ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ إِلَى اللَّهِ) قَالَ الْمَازِنِيُّ (٢): فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ، وَرَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ تَعْذِيبَ الْفَاسِقِ إِذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَلَمْ يَقُلْ لَا بُدَّ أَنْ يُعَذِّبَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْكَفِّ عَنِ الشَّهَادَةِ بِالنَّارِ عَلَى أَحَدٍ أَوْ بِالْجَنَّةِ لِأَحَدٍ إِلَّا مَنْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ بِعَيْنِهِ. قُلْتُ: أَمَّا الشِّقُّ الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ إِنَّمَا تُسْتَفَادُ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ.

قَوْلُهُ: (إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ) يَشْمَلُ مَنْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ، وَقَالَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَابَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ هَلْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ أَوْ لَا. وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَمَا لَا يَجِبُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَتُوبَ سِرًّا وَيَكْفِيَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: بَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ وَيَعْتَرِفَ بِهِ وَيَسْأَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ كَمَا وَقَعَ لِمَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ. وَفَصَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالْفُجُورِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْلِنَ بِتَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا.

(تَنْبِيهٌ): زَادَ فِي رِوَايَةِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَنْتَهِبُ وَهُوَ مِمَّا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي أَنَّ الْبَيْعَةَ مُتَأَخِّرَةٌ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ عِنْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ، وَالْمُرَادُ بِالِانْتِهَابِ مَا يَقَعُ بَعْدَ الْقِتَالِ فِي الْغَنَائِمِ. وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا: وَلَا يَعْصِي بِالْجَنَّةِ، إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَوَقَعَ عِنْدَهُ وَلَا يَقْضِي بِقَافٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ النَّاسِ فِي تَخْرِيجِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ نَهَاكُمْ


(١) في مخطوطة الرياض: ابن عمر.
(٢) في هامش طبعة بولاق: وفي نسخة المازري