(فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ) هُوَ عُوَيْمِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَاصِمٍ، لِأَنَّهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ مِنْ بَنِي وَاقِفٍ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الَّذِي يَنْتَهِي عَاصِمٌ إِلَى حِلْفِهِمْ إِلَّا فِي مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ هُوَ ابْنُ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَاصِمٌ مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي) تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ عَمْرٍو كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَاصِمٍ أَوْ بِنْتُ أَخِيهِ فَلِذَلِكَ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ مَا ابْتُلِيتُ وَقَوْلُهُ إِلَّا بِقَوْلِي أَيْ بِسُؤَالِي عَمَّا لَمْ يَقَعْ، كَأَنَّهُ قَالَ فَعُوقِبْتُ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي آلِ بَيْتِي، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ مَثَلًا لَوْ وَجَدْتُ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَقَتَلْتُهُ، أَوْ عَيَّرَ أَحَدًا بِذَلِكَ فَابْتُلِيَ بِهِ، وَكَلَامُهُ أَيْضًا بِمَعْزِلٍ عَنِ الْوَاقِعِ، فَقَدْ وَقَعَ فِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ عَاصِمٌ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، هَذَا وَاللَّهِ بِسُؤَالِي عَنْ هَذَا الْأَمْرِ بَيْنَ النَّاسِ فَابْتُلِيتُ بِهِ وَالَّذِي كَانَ قَالَ لَوْ رَأَيْتُهُ لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغَيْرَةِ وَقَدْ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: إِنْ أَنَا رَأَيْتُ لَكَاعِ يَفْجُرُ بِهَا رَجُلٌ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهِ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَضَحَ أَنَّ قَوْلَ عَاصِمٍ كَانَ فِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ وَقَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَانَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ، فَالْكَلَامَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ، وَيُؤَيِّدُ التَّعَدُّدَ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ
أَكْثَرُ غَاشِيَةً مِنْهُ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ وَمَا يُدْعَى لِأَبٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ زَمَانًا، وَقَوْلُهُ: عَلَى مِصْرَ أَيْ مِنَ الْأَمْصَارِ، وَظَنَّ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ أَرَادَ مِصْرَ الْبَلَدَ الْمَشْهُورَ فَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أُمَرَاءَ مِصْرَ مَعْرُوفُونَ مَعْدُودُونَ لَيْسَ فِيهِمْ هَذَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَتَيْنِ وَمَاتَ، فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي التَّعَدُّدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ) أَيِ الَّذِي رَمَى امْرَأَتَهُ.
قَوْلُهُ: (مُصْفَرًّا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، أَيْ قَوِيَّ الصُّفْرَةِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّهُ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَشْقَرَ لِأَنَّ ذَاكَ لَوْنُهُ الْأَصْلِيُّ وَالصُّفْرَةُ عَارِضَةٌ، وَقَوْلُهُ: قَلِيلُ اللَّحْمِ أَيْ نَحِيفُ الْجِسْمِ، وَقَوْلُهُ: سَبِطُ الشَّعْرِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ ضِدُّ الْجُعُودَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ) بِالْمَدِّ أَيْ لَوْنُهُ قَرِيبٌ مِنَ السَّوَادِ.
قَوْلُهُ: (خَدَلًّا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مُمْتَلِئَ السَّاقَيْنِ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ مُمْتَلِئُ الْأَعْضَاءِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ غِلَظِ الْعَظْمِ مَعَ اللَّحْمِ.
قَوْلُهُ: (كَثِيرُ اللَّحْمِ) أَيْ فِي جَمِيعِ جَسَدِهِ. يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً شَارِحَةً لِقَوْلِهِ: خَدَلًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَدَلَّ الْمُمْتَلِئُ الْبَدَنِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ الْمُمْتَلِئُ السَّاقِ فَيَكُونُ فِيهِ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الْآتِيَةِ جَعْدًا قَطَطًا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ سَهْلٍ قَرِيبًا، وَهَذِهِ الصِّفَةُ مُوَافَقَةٌ لِلَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَيْثُ فِيهِ عَظِيمُ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ إِلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ: (فَجَاءَتْ) فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَوَضَعَتْ.
قَوْلُهُ: (فَلَاعَنَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمَا) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ بَيْنَهُمَا تَأَخَّرَتْ حَتَّى وَضَعَتْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَلَاعَنَ مُعَقَّبٌ بِقَوْلِهِ: فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَاعْتَرَضَ قَوْلَهُ: وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَخْ وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ