للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَنَقَلَ عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنْ لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مُخَادَعَةٌ مِنَ الزَّوْجِ الثَّانِي وَلَا إِرَادَةُ تَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ.

وَقَالَ الْأَكْثَرُ: إِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَمْ يُحَلِّلْ، وَشَذَّ الْحَكَمُ فَقَالَ يَكْفِي، وَأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ بَتَّ طَلَاقَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا وَطِئَهَا حَائِضًا أَوْ بَعْدَ أَنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ أَوْ أَحَدُهُمَا صَائِمٌ أَوْ مُحْرِمٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: أَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ بِالشَّرْطِ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِحَدِيثِهَا فِي اشْتِرَاطِ خَمْسِ رَضَعَاتٍ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، فَيَلْزَمُهُمُ الْأَخْذُ بِهِ أَوْ تَرْكُ حَدِيثِ الْبَابِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ النِّكَاحَ عِنْدَهُمْ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَالْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهَا بَتَّ طَلَاقِي عَلَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَهُوَ عَجَبٌ مِمَّنِ اسْتَدَلَّ بِهِ فَإِنَّ الْبَتَّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَالْمُرَادُ بِهِ قَطْعُ الْعِصْمَةِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً أَوْ بِوُقُوعِ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ آخِرُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ صَرِيحًا أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِهِ إِمَّا الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَيَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ الَّتِي لَمْ تَتَوَاتَرْ، أَوْ حَمْلُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِلْبَاسِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّرْطَ إِذَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ لَمْ تَكُنْ إِضَافَتُهُ نَسْخًا وَلَا زِيَادَةً، وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْآيَةِ أُضِيفَ إِلَيْهَا وَهِيَ لَا تَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِمُجَرَّدِهَا فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي حَقِّهَا الْوَطْءُ، وَمِنْ شَرْطِهِ اتِّفَاقًا أَنْ يَكُونَ وَطْئًا مُبَاحًا فَيَحْتَاجُ إِلَى سَبَقَ الْعَقْدِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِمَا، فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ شَكَتْ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَطَؤُهَا وَأَنَّ ذَكَرَهُ لَا يَنْتَشِرُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُغْنِي عَنْهَا وَلَمْ يَفْسَخِ النَّبِيُّ ﷺ نِكَاحَهَا بِذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَا يُفْسَخُ بِالْعُنَّةِ وَلَا يُضْرَبُ لِلْعِنِّينِ أَجَلٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ تُطَالِبُ الرَّجُلَ بِالْجِمَاعِ، فَقَالَ الْأَكْثَرُ: إِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُؤَجَّلْ أَجَلُ الْعِنِّينِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ تَرَكَ جِمَاعَهَا لِعِلَّةٍ أُجِّلَ لَهُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَلَا تَأْجِيلَ، وَقَالَ عِيَاضٌ، اتَّفَقَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا فِي الْجِمَاعِ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَجْبُوبَ وَالْمَمْسُوحَ جَاهِلَةً بِهِمَا، وَيُضْرَبُ لِلْعِنِّينِ أَجَلُ سَنَةٍ لِاحْتِمَالِ زَوَالِ مَا بِهِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ دَاوُدَ وَمَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ بِقِصَّةِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، لِأَنَّ فِي بَعْضَ طُرُقِهِ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ كَانَ أَيْضًا طَلَّقَهَا كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَسُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا الْحَدِيثَ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الطَّلَاقِ.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ قَالَ فَفَارَقَتْهُ بَعْدُ زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ إِنَّهُ - يَعْنِي زَوْجَهَا الثَّانِيَ - مَسَّهَا فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ مُرْسَلًا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ مَسَّنِي، فَقَالَ: كَذَبْتِ بِقَوْلِكِ الْأَوَّلِ فَلَنْ أُصَدِّقَكِ فِي الْآخِرِ، وَأَنَّهَا أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ فَمَنَعَاهَا وَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْأَخِيرَةُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةِ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ، وَوَقَعَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْمِسْوَرِ