التَّرْجَمَةَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ لِتَكْمِلَةِ النَّفَقَةِ، فَكَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ جَمِيعِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ.
قَوْلُهُ: (يَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هِنْدًا بِالصَّرْفِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ الْمَاضِيَةِ فِي الْمَظَالِمِ بِغَيْرِ صَرْفٍ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَيِ: ابْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ: أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ هِنْدٌ لَمَّا قُتِلَ أَبُوهَا عُتْبَةُ وَعَمُّهَا شَيْبَةُ وَأَخُوهَا الْوَلِيدُ يَوْمَ بَدْرٍ شَقَّ عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَقُتِلَ حَمْزَةُ فَرِحَتْ بِذَلِكَ، وَعَمَدَتْ إِلَى بَطْنِهِ فَشَقَّتْهَا، وَأَخَذَتْ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا ثُمَّ لَفَظَتْهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ وَدَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ مَكَّةَ مُسْلِمًا - بَعْدَ أَنْ أَسَرَتْهُ خَيْلُ النَّبِيِّ ﷺ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَأَجَارَهُ الْعَبَّاسُ - غَضِبَتْ هِنْدٌ لِأَجْلِ إِسْلَامِهِ، وَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَكَّةَ جَاءَتْ فَأَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَنَاقِبِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. فَقَالَ: أَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ إِلَخْ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو قُحَافَةَ وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرَوَى عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَمَلِ أَخِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ وَالِيًا لِعُمَرَ حَتَّى قُتِلَ وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ وَأَفْرَدَهُ بِوِلَايَةِ الشَّامِ جَمِيعًا، وَشَخَصَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ ابْنَاهُ عُتْبَةُ، وَعَنْبَسَةُ، فَكَتَبَتْ هِنْدٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ قَدْ قَدِمَ عَلَيْكَ أَبُوكَ وَأَخَوَاكَ، فَاحْمِلْ أَبَاكَ عَلَى فَرَسٍ وَأَعْطِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاحْمِلْ عُتْبَةَ عَلَى بَغْلٍ وَأَعْطِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَاحْمِلْ عَنْبَسَةَ عَلَى حِمَارٍ وَأَعْطِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ هَذَا عَنْ رَأْيِ هِنْدٍ قُلْتُ: كَانَ عُتْبَةُ مِنْهَا وَعَنْبَسَةُ مِنْ غَيْرِهَا أُمُّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي أُزَيْهِرٍ الْأَزْدِيِّ. وَفِي الْأَمْثَالِ لِلْمَيْدَانِيِّ أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي سُفْيَانَ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مُعَاوِيَةَ أَنْ يُزَوِّجَهُ أُمَّهُ فَقَالَ: إِنَّهَا قَعَدَتْ عَنِ الْوَلَدِ. وَكَانَتْ وَفَاةُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ) هُوَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ زَوْجُهَا، وَكَانَ قَدْ رَأَسَ فِي قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَسَارَ بِهِمْ فِي أُحُدٍ، وَسَاقَ الْأَحْزَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْلَةَ الْفَتْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي الْمَغَازِي.
قَوْلُهُ: (رَجُلٌ شَحِيحٌ) تَقَدَّمَ قَبْلُ بِثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ: رَجُلٌ مِسِّيكٌ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: بِوَزْنِ شَحِيحٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَشْهَرَ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي كَوْنُ الثَّانِي أَصَحَّ؛ فَإِنَّ الْآخَرَ مُسْتَعْمَلٌ كَثِيرًا مِثْلُ شِرِّيبٍ وَسِكِّيرٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَفَّفُ أيضا فِيهِ نَوْعُ مُبَالَغَةٍ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَ أَبْلَغُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ حَيْثُ قَالَ: الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْفَتْحُ وَالتَّخْفِيفُ. وَفِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ الْكَسْرُ وَالتَّشْدِيدُ. وَالشُّحُّ: الْبُخْلُ مَعَ حِرْصٍ، وَالشُّحُّ أَعَمُّ مِنَ الْبُخْلِ؛ لِأَنَّ الْبُخْلَ يَخْتَصُّ بِمَنْعِ الْمَالِ وَالشُّحُّ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: الشُّحُّ لَازِمٌ كَالطَّبْعِ، وَالْبُخْلُ غَيْرُ لَازِمٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ تُرِدْ هِنْدٌ وَصْفَ أَبِي سُفْيَانَ بِالشُّحِّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَإِنَّمَا وَصَفَتْ حَالَهَا مَعَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يُقَتِّرُ عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادِهَا، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُخْلَ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الرُّؤَسَاءِ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ أَهْلِهِ، وَيُؤْثِرُ الْأَجَانِبَ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ. قُلْتُ: وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ لِقَوْلِ هِنْدٍ هَذَا سَبَبٌ يَأْتِي ذِكْرُهُ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) زَادَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: سِرًّا، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute