للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَرَافِقِ اللَّازِمَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَ لَهَا الْإِذْنَ فِي أَخْذِ الْكِفَايَةِ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ عَلَى بَيْتِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي.

قُلْتُ: وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ بَيْتَ الشَّحِيحَ لَا يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا نَفَتِ الْكِفَايَةَ مُطْلَقًا، فَتَنَاوَلَ جِنْسَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَنْزِلَ الشَّحِيحِ كَذَلِكَ مُسَلَّمَةٌ، لَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ مَنْزِلَ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ كَذَلِكَ؟ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ أَنَّ مَنْزِلَهُ كَانَ فِيهِ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يُمَكِّنُهَا إِلَّا مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَتْ أَنْ تَأْخُذَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَقَدْ وَجَّهَ ابْنُ الْمُنِيرِ قَوْلَهُ: إِنَّ فِي قِصَّةِ هِنْدٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّهُ Object أَذِنَ لِهِنْدٍ أَنْ تَفْرِضَ لِنَفْسِهَا وَعِيَالِهَا قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَهَذَا هُوَ التَّقْوِيمُ بِعَيْنِهِ بَلْ هُوَ أَدَقُّ مِنْهُ وَأَعْسَرُ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ: مَدْخَلًا فِي الْقِيَامِ عَلَى أَوْلَادِهَا وَكَفَالَتِهِمْ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ اعْتِمَادُ الْعُرْفِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَحْدِيدَ فِيهَا مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَفْظًا وَعَمِلَ بِهِ مَعْنًى كَالشَّافِعِيَّةِ، كَذَا قَالَ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِنَّمَا أَنْكَرُوا الْعَمَلَ بِالْعُرْفِ إِذَا عَارَضَهُ النَّصُّ الشَّرْعِيُّ، أَوْ لَمْ يُرْشِدِ النَّصُّ الشَّرْعِيُّ إِلَى الْعُرْفِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ تَرْجَمَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ جَمْعًا مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ غَيْرِهِمُ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ لِذَلِكَ، حَتَّى قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي مَنْعِهِمُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ بِقِصَّةِ هِنْدٍ، وَكَانَ ذَلِكَ قَضَاءً مِنَ النَّبِيِّ Object عَلَى زَوْجِهَا وَهُوَ غَائِبٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا بِهَا، وَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ أَوْ مُسْتَتِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَزِّزًا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَبِي سُفْيَانَ مَوْجُودًا، فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ هُوَ إِفْتَاءٌ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ أَنَّهُ كَانَ إِفْتَاءً. اهـ.

وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا بِقَوْلِ هِنْدٍ: لَا يُعْطِينِي إِذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَالَتْ: لَا يُنْفِقُ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الْإِنْفَاقَ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا جُمْلَةً وَيَأْذَنَ لَهَا فِي الْإِنْفَاقِ مُفَرَّقًا. نَعَمْ قَوْلُ النَّوَوِيِّ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ حَقٌّ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْجَزْمِ بِذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ، بَلْ أَوْرَدَ أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ جَالِسًا مَعَهَا فِي الْمَجْلِسِ، لَكِنْ لَمْ يَسُقْ إِسْنَادَهُ، وَقَدْ ظَفِرْتُ بِهِ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ هِنْدًا لَمَّا بَايَعَتْ وَجَاءَ قَوْلُهُ: ﴿وَلا يَسْرِقْنَ﴾ قَالَتْ: قَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَمَا أَصَبْتِ مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَكِ.

قُلْتُ: وَيُمْكِنُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ وَأَنَّ هَذَا وَقَعَ لَمَّا بَايَعَتْ ثُمَّ جَاءَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَسَأَلَتْ عَنِ الْحُكْمِ، وَتَكُونُ فَهِمَتْ مِنَ الْأَوَّلِ إِحْلَالَ أَبِي سُفْيَانِ لَهَا مَا مَضَى فَسَأَلَتْ عَمَّا يُسْتَقْبَلُ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ هِنْدٌ لِأَبِي سُفْيَانَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُبَايِعَ، قَالَ: فَإِنْ فَعَلْتِ فَاذْهَبِي مَعَكِ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِكِ، فَذَهَبَتْ إِلَى عُثْمَانَ فَذَهَبَ مَعَهَا، فَدَخَلَتْ مُنْتَقِبَةً فَقَالَ: بَايِعِي أَنْ لَا تُشْرِكِي الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ بَخِيلٌ - الْحَدِيثَ - قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ قَالَ: أَمَّا يَابِسًا فَلَا، وَأَمَّا رَطْبًا فَأُحِلُّهُ وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ تَفَرَّدَ بِهِ بِهَذَا السِّيَاقِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَوَّلُ حَدِيثِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ