للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَانَ مِنْ أَمْرِي وَقُلْتُ لَهُ فَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَقْرَأْتُكَ الْآيَةَ وَلَانَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ قَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَانْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ"

[الحديث ٥٣٧٥ - طرفاه في: ٦٢٤٦، ٦٤٥٢]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم - كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: أَنْفِقُوا عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ: كُلُوا بَدَلَ أَنْفِقُوا، وَهَكَذَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي الْوَقْتِ، وَفِي قَلِيلٍ مِنْ غَيْرِهَا وَعَلَيْهَا شَرْحُ ابْنِ بَطَّالٍ، وَأَنْكَرَهَا وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ، حَتَّى زَعَمَ عِيَاضٌ أَنَّهَا كَذَلِكَ لِلْجَمِيعِ، وَلَمْ أَرَهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِلَّا عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ كَمَا ذَكَرْتُ، وَكَذَا فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَحْدَهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، فَقَالَ: بَابُ قَوْلِهِ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾، كَذَا وَقَعَ عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ لِلْجَمِيعِ إِلَّا النَّسَفِيَّ، وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ، وَزَعَمَ عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ لِلْجَمِيعِ: كُلُوا إِلَّا أَبَا ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي، فَقَالَ: أَنْفِقُوا، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الصَّوَابِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ حَيْثُ تَرْجَمَ: بَابُ صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرُّوَاةِ فِي ذَلِكَ، وَيَحْسُنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي أَنَّ التَّغْيِيرَ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ النُّسَّاخِ.

وَالطَّيِّبَاتُ جَمْعُ طَيِّبَةٍ، وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى الْمُسْتَلَذِّ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَعَلَى النَّظِيفِ، وَعَلَى مَا لَا أَذَى فِيهِ، وَعَلَى الْحَلَالِ. فَمِنَ الْأَوَّلِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي تَفْسِيرِهَا، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَلَالَ لَمْ يَزِدِ الْجَوَابُ عَلَى السُّؤَالِ، وَمِنَ الثَّانِي ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ وَمِنَ الثَّالِثِ: هَذَا يَوْمٌ طَيِّبٌ، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمِنَ الرَّابِعِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِي التَّرْجَمَةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّجَارَةِ الْحَلَالُ، وَجَاءَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجَيِّدُ؛ لِاقْتِرَانِهَا بِالنَّهْيِ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنَ الْخَبِيثِ وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّدِيءُ، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ذَكَرَهُ فِي: بَابِ تَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْقِنْوِ فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي بِالْقِنْوِ مِنَ الْحَشَفِ وَالشِّيصِ فَيُعَلِّقُهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيءُ الرَّجُلُ بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بِنْ حُنَيْفٍ: فَكَانَ النَّاسُ يَتَيَمَّمُونَ شِرَارَ ثِمَارِهِمْ ثُمَّ يُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَيْسَ بَيْنَ تَفْسِيرِ الطَّيِّبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْحَلَالِ وَبِمَا يُسْتَلَذُّ مُنَافَاةٌ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُحِلُّ

لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ أَصْلًا فِي تَحْرِيمِ مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ، مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِشَرْطٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - حَيْثُ أَوْرَدَ هَذِهِ الْآيَاتِ - لَمَّحَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ الْحَدِيثَ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، وَهُوَ مِمَّنِ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِالِاحْتِجَاجِ بِهِ دُونَ