للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَذْكُورِينَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤَاكِلَ لِأَهْلِهِ وَخَدَمِهِ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ حَيْثُ رَآهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ مِنْهُ، فَإِذَا عَلِمَ كَرَاهَتَهُمْ لِذَلِكَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَّا مِمَّا يَلِيهِ. وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّمَا جَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَتَكَرَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يَتَقَذَّرُهُ، بَلْ كَانُوا يَتَبَارَكُونَ بِرِيقِهِ وَمُمَاسَّةِ يَدِهِ، بَلْ كَانُوا يَتَبَادَرُونَ إِلَى نُخَامَتِهِ فَيَتَدَلَّكُونَ بِهَا، فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُتَقَذَّرْ مِنْ مُؤَاكِلِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ تَجُولَ يَدُهُ فِي الصَّحْفَةِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: إِذَا أَكَلَ الْمَرْءُ مَعَ خَادِمِهِ وَكَانَ فِي الطَّعَامِ نَوْعٌ مُنْفَرِدٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ فَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْخَيَّاطَ أَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ. قُلْتُ: هِيَ رِوَايَةُ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ أَنَسًا أَكَلَ مَعَ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (إنَّ خَيَّاطًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ غُلَامَ النَّبِيِّ ، وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ مَوْلًى لَهُ خَيَّاطًا دَعَاهُ.

قَوْلُهُ: (لِطَعَامٍ صَنَعَهُ) كَانَ الطَّعَامُ الْمَذْكُورُ ثَرِيدًا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِتَمَامِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِالزِّيَادَةِ وَلَفْظُهُ: فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ وَأَفَادَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ عَنْ مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّ الْخُبْزَ الْمَذْكُورَ كَانَ خُبْزَ شَعِيرٍ، وَغَفَلَ عَمَّا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْمَرَقِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: خُبْزَ شَعِيرٍ وَالثَّانِي مِثْلُهُ، وَكَذَا أَوْرَدَهُ بَعْدَ بَابٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ بِتَمَامِهِ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ أَيْضًا، وَقَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ تَرْجَمَةً، وَهِيَ الْمَرَقُ وَالدُّبَّاءُ وَالثَّرِيدُ وَالْقَدِيدُ.

قَوْلُهُ: (الدُّبَّاءُ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ مَمْدُودٌ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، حَكَاهُ الْقَزَّازُ، وَأَنْكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، هُوَ الْقَرْعُ، وَقِيلَ: خَاصٌّ بِالْمُسْتَدِيرِ مِنْهُ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّهُ الْقَرْعُ الْيَابِسُ، وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا سَهْوًا، وَهُوَ الْيِقْطِينُ أَيْضًا وَاحِدُهُ دُبَّاةٌ وَدِبَّةٌ، وَكَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْهَمْزَةَ زَائِدَةٌ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي دَبَبٍ، وَأَمَّا الْجَوْهَرِيُّ فَأَخْرَجَهُ فِي الْمُعْتَلِّ عَلَى أَنَّ هَمْزَتَهُ مُنْقَلِبَةٌ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، لَكِنْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُ: لَا نَدْرِي هِيَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ، وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَجَعَلْتُ أَجْمَعُهُ وَأُدْنِيهِ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ) فِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ: قَالَ أَنَسٌ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَنَعَ مَا صَنَعَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ إِلَيْهِ وَلَا أَطْعَمُهُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، وَعَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ ثَابِتٌ: فَسَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: فَمَا صُنِعَ لِي طَعَامٌ بَعْدُ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ دُبَّاءٌ إِلَّا صُنِعَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَعَثَتْ مَعِي أُمُّ سُلَيْمٍ بِمِكْتَلٍ فِيهِ رُطَبٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَخَرَجَ قَرِيبًا إِلَى مَوْلًى لَهُ دَعَاهُ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ فَدَعَانِي فَأَكَلْتُ مَعَهُ، قَالَ: وَصُنِعَ لَهُ ثَرِيدَةً بِلَحْمٍ وَقَرْعٍ، فَإِذَا هُوَ يُعْجِبُهُ الْقَرْعُ، فَجَعَلْتُ أَجْمَعُهُ فَأُدْنِيهِ مِنْهُ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ بَعْضَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: كَانَ يُعْجِبُهُ الْقَرْعُ وَلِلنَّسَائِيِّ: كَانَ يُحِبُّ الْقَرْعَ، وَيَقُولُ: إِنَّهَا شَجَرَةُ أَخِي يُونُسَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَلَمْ أَجِدْهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ ذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَعِيَّةَ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ عَلَى بُعْدٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ الشَّرِيفِ طَعَامَ مَنْ دُونَهُ مِنْ مُحْتَرِفٍ وَغَيْرِهِ وَإِجَابَةِ دَعَوْتِهِ، وَمُؤَاكَلَةِ الْخَادِمِ، وَبَيَانُ مَا كَانَ فِي النَّبِيِّ مِنَ التَّوَاضُعِ وَاللُّطْفِ بِأَصْحَابِهِ وَتَعَاهُدِهِمْ بِالْمَجِيءِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِ الْإِجَابَةُ إِلَى الطَّعَامِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَمُنَاوَلَةُ الضِّيفَانِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا