للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَاحِدٍ وَهُوَ السَّوَادُ، عَبَّرَتْ عَنِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الشِّبَعُ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: سَمِعْتُ صَوْتَ النَّبِيِّ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ: كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي صَوْتِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ إِذْ ذَاكَ الْفَخَامَةَ الْمَأْلُوفَةَ مِنْهُ، فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجُوعِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى دَعْوَى ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجُوعُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَتُعُقِّبَ بِالْحَمْلِ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَالِ: فَكَانَ يَجُوعُ أَحْيَانَا؛ لِيَتَأَسَّى بِهِ أَصْحَابُهُ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَا يَجِدُ مَدَدًا وَأَدْرَكَهُ أَلَمُ الْجُوعِ صَبَرَ

فَضُوعِفَ لَهُ، وَقَدْ بَسَطْتُ هَذَا فِي مَكَانٍ آخَرَ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ مِنْ أَدَبِ مَنْ يُضِيفُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الضَّيْفِ إِلَى بَابِ الدَّارِ تَكَرُّمَةً لَهُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الشِّبَعِ، وَأَنَّ تَرْكَهُ أَحْيَانَا أَفْضَلُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَلْمَانَ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا فِي الْآخِرَةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ: غَيْرَ أَنَّ الشِّبَعِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَإِنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَفٌ، وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ مَا أَعَانَ الْآكِلَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ وَلَمْ يَشْغَلْهُ ثِقَلُهُ عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ.

وَحَدِيثُ سَلْمَانَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ، وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ أَيْضًا، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي الْهَيْثَمِ إِذْ ذَبَحَ لِلنَّبِيِّ وَلِصَاحِبَيْهِ الشَّاةَ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ، وَمَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشِّبَعِ الَّذِي يُثْقِلُ الْمَعِدَةَ وَيُثَبِّطُ صَاحِبَهُ عَنِ الْقِيَامِ لِلْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَرِ وَالْأَشَرِّ وَالنَّوْمِ وَالْكَسَلِ، وَقَدْ تَنْتَهِي كَرَاهَتُهُ إِلَى التَّحْرِيمِ بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ. وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْمُنِيرِ أَنَّ الشِّبَعَ الْمَذْكُورَ مَحْمُولٌ عَلَى شِبَعِهِمُ الْمُعْتَادِ مِنْهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الثُّلُثَ لِلطَّعَامِ وَالثُّلُثَ لِلشَّرَابِ وَالثُّلُثَ لِلنَّفْسِ، وَيَحْتَاجُ فِي دَعْوَى أَنَّ تِلْكَ عَادَتُهُمْ إِلَى نَقْلٍ خَاصٍّ، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: مَا مَلَأَ آدَمِيٌ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ: لَوْ سَمِعَ بُقْرَاطُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ قَبْلَهُ فِي بَابِ كَسْرِ الشَّهْوَتَيْنِ مِنْ الْإِحْيَاءِ ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ لِبَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ كَلَامًا فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ أَحْكَمَ مِنْ هَذَا. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ أَثَرَ الْحِكْمَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا خُصَّ الثَّلَاثَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ سِوَاهَا. وَهَلِ الْمُرَادُ بِالثُّلُثِ التَّسَاوِي عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، أَوِ التَّقْسِيمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَقَارِبَةٍ؟ مَحَلُّ احْتِمَالٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّحَ بِذِكْرِ الثُّلُثِ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ فِي بَابِ شُرْبِ اللَّبَنِ لِلْبَرَكَةِ حَدِيثَ أَنَسٍ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: فَجَعَلْتُ لَا آلُو مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشِّبَعُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَعَامُ بَرَكَةٍ. قُلْتُ: وَهُوَ مُحْتَمِلٌ إِلَّا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، فَإِنَّ الْمُرَادُ بِهِ الشِّبَعُ الْمُعْتَادُ لَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجُوعِ عَلَى رَأْيَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْإِحْيَاءِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَهِيَ الْخُبْزَ وَحْدَهُ، فَمَتَى طَلَبَ الْأُدْمَ فَلَيْسَ بِجَائِعٍ. ثَانِيهُمَا أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ رِيقُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الذُّبَابُ. وَذَكَرَ أَنَّ مَرَاتِبَ الشِّبَعِ تَنْحَصِرُ فِي سَبْعَةٍ:

الْأَوَّلُ: مَا تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ.

الثَّانِي: أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يَصُومَ وَيُصَلِّيَ عَنْ قِيَامٍ وَهَذَانِ وَاجِبَانِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يَقْوَى عَلَى أَدَاءِ النَّوَافِلِ.

الرَّابِعُ: أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى التَّكَسُّبِ وَهَذَانِ مُسْتَحَبَّانِ.

الْخَامِسُ: أَنْ يَمْلَأَ الثُّلُثَ وَهَذَا جَائِزٌ.

السَّادِسُ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ يَثْقُلُ الْبَدَنُ وَيَكْثُرُ النَّوْمُ وَهَذَا مَكْرُوهٌ.

السَّابِعُ: أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يَتَضَرَّرَ، وَهِيَ الْبِطْنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا،