مِنْ رُطَبِهَا وَنَامَ فِيهَا وَقَامَ فَبَرَّكَ فِيهَا حَتَّى أَوْفَاهُ، فَلَوْ كَانَتْ بِطَرِيقِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ لَاحْتَاجَ إِلَى السَّفَرِ، لِأَنَّ بَيْنَ دُومَةَ الْجَنْدَلِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَشْرَ مَرَاحِلَ كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ إِلَى أَنَّ دُومَةَ هَذِهِ هِيَ بِئْرُ رُومَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا عُثْمَانُ وَسَبَّلَهَا وَهِيَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ فَكَأَنَّ أَرْضَ جَابِرٍ كَانَتْ بَيْنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَرُومَةَ.
قَوْلُهُ (فَجَلَسَتْ فَخَلَّا عَامًا) قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا لِلْقَابِسِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ بِالْجِيمِ وَاللَّامِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سِرَاجٍ يُصَوِّبُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إِلَّا أَنَّهُ يَضْبِطُهَا فَجَلَسْتُ أَيْ بِسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ التَّاءِ عَلَى أَنَّهَا مُخَاطَبَةُ جَابِرٍ وَتَفْسِيرُهُ. أَيْ تَأَخَّرْتُ عَنِ الْقَضَاءِ، فَخَلَّا بِفَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَلَامٍ مُشَدَّدَةٍ مِنَ التَّخْلِيَةِ أَوْ مُخَفَّفَةٍ مِنَ الْخُلُوِّ أَيْ تَأَخُّرَ السَّلَفُ عَامًا، قَالَ عِيَاضٌ: لَكِنْ ذِكْرُ الْأَرْضِ أَوَّلَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ عَنِ الْأَرْضِ لَا عَنْ نَفْسِهِ. انْتَهَى، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ ضَبْطَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عِيَاضٍ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَالضَّمِيرُ لِلْأَرْضِ، وَبَعْدَهُ نَخْلًا بِنُونٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ تَأَخَّرَتِ الْأَرْضُ عَنِ الْإِثْمَارِ مِنْ جِهَةِ النَّخْلِ، قَالَ: وَوَقَعَ لِلْأَصِيلِيِّ فَحَبَسَتْ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ فَخَاسَتْ بَعْدَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَلْفٌ أَيْ خَالَفَتْ مَعْهُودَهَا وَحَمْلَهَا، يُقَالُ خَاسَ عَهْدَهُ إِذَا خَانَهُ أَوْ تَغَيَّرَ عَنْ عَادَتِهِ وَخَاسَ الشَّيْءُ إِذَا تَغَيَّرَ قَالَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَثْبَتُهَا.
قُلْتُ: وَحَكَى غَيْرُهُ خَنَسَتْ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ أَيْ تَأَخَّرَتْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، فَمَا أَدْرِي بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَوْ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَخَنَسَتْ عَلَيَّ عَامًا وَأَظُنُّهَا بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ وَبَعْدَهَا عَلَيَّ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، فَكَأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأَصْلِ بِصُورَةِ نَخْلًا وَكَذَا فَخَلَّا تَصْحِيفٌ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ عَلَى كَتْبِ الْيَاءِ بِأَلِفٍ ثُمَّ حَرَّفَ الْعَيْنَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَرَّاقُ الْبُخَارِيِّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ الْبُخَارِيُّ: فَحَلَّا لَيْسَ عِنْدِي مُقَيَّدًا أَيْ مَضْبُوطًا، ثُمَّ قَالَ فَخَلَّا لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ، لَكِنِّي وَجَدْتُهُ فِي النُّسْخَةِ بِجِيمٍ وَبِالْخاءِ الْمُعْجَمَةِ أَظْهَرُ.
قَوْلُهُ (وَلَمْ أَجِدَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ.
قَوْلُهُ (أَسْتَنْظِرُهُ) أَيْ أَسْتَمْهِلُهُ إِلَى قَابِلٍ) أَيْ إِلَى عَامٍ ثَانٍ.
قَوْلُهُ (فَأُخْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ وَالْفَاعِلُ جَابِرٌ، وَذَكَرَهُ كَذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَأَخْبَرْتُ.
قَوْلُهُ (فَيَقُولُ أَبَا الْقَاسِمِ لَا أُنْظِرُهُ) كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ.
قَوْلُهُ (أَيْنَ عَرِيشُكَ) أَيِ الْمَكَانُ الَّذِي اتَّخَذْتَهُ فِي الْبُسْتَانِ لِتَسْتَظِلَّ بِهِ وَتَقِيلَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ (فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى) أَيْ مِنْ رُطَبٍ.
قَوْلُهُ (فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةِ) أَيِ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَامَ فَطَافَ بَدَلَ قَوْلِهِ فِي الرِّطَابِ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ جُذَّ) فِعْلُ أَمْرٍ بِالْجِذَاذِ (وَاقْضِ) أَيْ أَوْفِ.
قَوْلُهُ (فَقَالَ أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولَ اللَّهِ) قَالَ ذَلِكَ ﷺ لِمَا فِيهِ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ الظَّاهِرَ مِنْ إِيفَاءِ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُظَنُّ أَنَّهُ يُوَفِّي مِنْهُ الْبَعْضُ فَضْلًا عَنِ الْكُلِّ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَفْضُلَ فَضْلَةٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْضُلَ قَدْرُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ (عَرْشٌ وَعَرِيشٌ بِنَاءٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْرُوشَاتٌ مَا يُعَرَّشُ مِنَ الْكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ عُرُوشُهَا أَبْنِيَتُهَا) ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالنَّقْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَفِيهِ النَّقْلُ عَنْ غَيْرِهِ بِأَنَّ الْمَعْرُوشَ مِنَ الْكَرْمِ مَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ، وَغَيْرَ الْمَعْرُوشِ مَا يُبْسَطُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ عَرْشٌ وَعَرِيشٌ بِنَاءٌ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعْرَافِ،