أَوْ مَجُوسِيٌّ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَفْهُومُهُ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ لَا يُؤْكَلُ إِنْ صَادَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ قَوْمٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَبِسَنَدٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَاهِيَةَ صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ السَّمَكَ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرْيِ ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: ذَبَحَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَنَصْبُ رَاءِ الْخَمْرِ عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ، قَالَ: وَيُرْوَى بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالْخَمْرُ بِالْكَسْرِ أَيْ تَطْهِيرِهَا.
قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا الْأَثَرُ سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَقَدْ وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَهُ سَوَاءً، قَالَ الْحَرْبِيُّ: هَذَا مُرْيٌ يُعْمَلُ بِالشَّامِ: يُؤْخَذُ الْخَمْرُ فَيُجْعَلُ فِيهِ الْمِلْحُ وَالسَّمَكُ وَيُوضَعُ فِي الشَّمْسِ فَيَتَغَيَّرُ عَنْ طَعْمِ الْخَمْرِ. وَأَخْرَجَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُرْيِ النِّينَانِ: غَيَّرَتْهُ الشَّمْسُ.
وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: لَا بَأْسَ بِالْمُرْيِ ذَبَحَتْهُ النَّارُ وَالْمِلْحُ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ مُغَلْطَايْ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَاعْتَرَضُوا عَلَى جَزْمِ الْبُخَارِيِّ بِهِ وَمَا عَثَرُوا عَلَى كَلَامِ الْحَرْبِيِّ، وَهُوَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ جَزْمًا، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءَ كَانَ يَأْكُلُ الْمُرِيَ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْخَمْرُ وَيَقُولُ: ذَبَحَتْهُ الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِآخَرَ - فَذَكَرَ قِصَّةً فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُرْيِ - فَأَتَيَا أَبَا الدَّرْدَاءَ فَسَأَلَاهُ فَقَالَ: ذَبَحَتْ خَمْرَهَا الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ وَالْحِيتَانُ. وَرُوِّينَاهُ فِي جُزْءِ إِسْحَاقَ بْنِ الْفَيْضَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ أَكْلِ الْمُرْيِ فَقَالَ: ذَبَحَتِ الشَّمْسُ سَكَرَ الْخَمْرِ، فَنَحْنُ نَأْكُلُ، لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا.
قَالَ أَبُو مُوسَى فِي ذَيْلِ الْغَرِيبِ: عَبَّرَ عَنْ قُوَّةِ الْمِلْحِ وَالشَّمْسِ وَغَلَبِتِهِمَا عَلَى الْخَمْرِ وَإِزَالَتِهِمَا طَعْمَهَا وَرَائِحَتَهَا بِالذَّبْحِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النِّينَانَ دُونَ الْمِلْحِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُونِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ النِّينَانَ وَحْدَهَا هيَ الَّتِي خَلَّلَتْهُ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ يُفْتِي بِجَوَازِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ فَقَالَ: إِنَّ السَّمَكَ بِالْآلَةِ الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ يَغْلِبُ عَلَى ضَرَاوَةِ الْخَمْرِ وَيُزِيلُ شِدَّتَهَا، وَالشَّمْسُ تُؤَثِّرُ فِي تَخْلِيلِهَا فَتَصِيرُ حَلَالًا. قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الرِّيفِ مِنَ الشَّامِ يَعْجِنُونَ الْمُرْيَ بِالْخَمْرِ وَرُبَّمَا يَجْعَلُونَ فِيهِ أَيْضًا السَّمَكَ الَّذِي يُرَبَّى بِالْمِلْحِ وَالْأَبْزَارِ مِمَّا يُسَمُّونَهُ الصَّحْنَاءَ، وَالْقَصْدُ مِنَ الْمُرْيِ هَضْمُ الطَّعَامِ فَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ كُلَّ ثَقِيفٍ أَوْ حِرِّيفٍ لِيَزِيدَ فِي جَلَاءِ الْمَعِدَةِ وَاسْتِدْعَاءِ الطَّعَامِ بِحَرَافَتِهِ. وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَأْكُلُونَ هَذَا الْمُرْيَ الْمَعْمُولَ بِالْخَمْرِ وَأَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي طَهَارَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ يُرِيدُ أَنَّ السَّمَكَ طَاهِرٌ حَلَالٌ وَأَنَّ طَهَارَتَهُ وَحِلَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ كَالْمِلْحِ حَتَّى يَصِيرَ الْحَرَامُ النَّجِسُ بِإِضَافَتِهَا إِلَيْهِ طَاهِرًا حَلَالًا، وَهَذَا رَأْيُ مَنْ يُجَوِّزُ تَحْلِيلَ الْخَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ اسْتَعَارَ الذَّبْحَ لِلْإِحْلَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: كَمَا أَنَّ الذَّبْحَ يُحِلُّ أَكْلَ الْمَذْبُوحَةِ دُونَ الْمَيْتَةِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إِذَا وُضِعَتْ فِي الْخَمْرِ قَامَتْ مَقَامَ الذَّبْحِ فَأَحَلَّتْهَا.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهَا حَلَّتْ بِالْحُوتِ الْمَطْرُوحِ فِيهَا وَطَبْخِهَا بِالشَّمْسِ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالذَّكَاةِ لِلْحَيَوَانِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى ذَبَحَتْهَا أَبْطَلَتْ فِعْلَهَا، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي النَّوْعِ الْعِشْرِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا خَيْرَ فِي الْخَمْرِ، وَأَنَّهَا إِذَا أُفْسِدَتْ لَا خَيْرَ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُفْسِدُهَا فَيَطِيبُ حِينَئِذٍ الْخَلُّ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَسْأَلُ عَنْ خَمْرٍ جُعِلَتْ فِي قُلَّةٍ وَجُعِلَ مَعَهَا مِلْحٌ وَأَخْلَاطٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ تُجْعَلُ فِي الشَّمْسِ حَتَّى تَعُودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute