وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْأَضَاحِي، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَمَّا أَلْزَمَهُ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ قِصَّةِ الْبَعِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّامِي رَمَى بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْجَمَاعَةِ فَأَقَرُّوهُ، فَدَلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى رِضَاهُمْ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ أُولَئِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ، فَافْتَرَقَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةُ مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ) فِي رِوَايَةٍ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قِيمَةَ الْغَنَمِ إِذْ ذَاكَ، فَلَعَلَّ الْإِبِلَ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ نَفِيسَةً وَالْغَنَمُ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ هَزِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَعِيرِ عَشْرَ شِيَاهٍ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةَ فِي الْأَضَاحِي مِنْ أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ الْمُعْتَدِلَيْنِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَةُ فَكَانَتْ وَاقِعَةَ عَيْنٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاسَةِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ وَالْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الْأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ تِسْعَةٌ وَفِي الْبَدَنَةِ عَشَرَةٌ فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ هَذَا. وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَعِيرَ بِسَبْعَةٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ مِنْ نَفَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيمَا عَدَا مَا طُبِخَ وَأُرِيقَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الَّتِي كَانُوا غَنِمُوهَا، وَيَحْتَمِلُ - إِنْ كَانَتِ الْوَاقِعَةُ تَعَدَّدَتْ - أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أُتْلِفَ فِيهَا اللَّحْمُ لِكَوْنِهِ كَانَ قُطِعَ لِلطَّبْخِ وَالْقِصَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ رَافِعٍ طُبِخَتِ الشِّيَاهُ صِحَاحًا مَثَلًا فَلَمَّا أُرِيقَ مَرَقُهَا ضُمَّتْ إِلَى الْمَغْنَمِ لِتُقْسَمَ ثُمَّ يَطْبُخُهَا مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ النُّكْتَةُ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ الشِّيَاهِ عَنِ الْعَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (فَنَدَّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، أَيْ هَرَبَ نَافِرًا.
قَوْلُهُ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْإِبِلِ الْمَقْسُومَةِ.
قَوْلُهُ (وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ) فِيهِ تَمْهِيدٌ لِعُذْرِهِمْ فِي كَوْنِ الْبَعِيرِ الَّذِي نَدَّ أَتْعَبَهُمْ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ فِيهِمْ خُيُولٌ كَثِيرَةٌ لَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يُحِيطُوا بِهِ فَيَأْخُذُوهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ أَيْ كَثِيرَةٌ أَوْ شَدِيدَةُ الْجَرْيِ، فَيَكُونُ النَّفْيُ لِصِفَةٍ فِي الْخَيْلِ لَا لِأَصْلِ الْخَيْلِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ) أَيْ أَتْعَبَهُمْ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَحْصِيلِهِ.
قَوْلُهُ (فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ) أَيْ قَصَدَ نَحْوَهُ وَرَمَاهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّامِي.
قَوْلُهُ (فَحَبَسَهُ اللَّهُ) أَيْ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَفَ.
قَوْلُهُ (إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ) فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ الْمَذْكُورَتَيْنِ بَعْدُ إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: هَذِهِ اللَّامُ تُفِيدُ مَعْنَى مِنْ لِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ تُسْتَفَادُ مِنِ اسْمِ إِنَّ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً.
قَوْلُهُ (أَوَابِدُ) جَمْعُ آبِدَةٍ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ غَرِيبَةٌ، يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ بِآبِدَةٍ أَيْ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَعْلَةٍ مُنَفِّرَةٍ، يُقَالُ: أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ تَأْبُدُ بِضَمِّهَا وَيَجُوزُ الْكَسْرُ أُبُودًا، وَيُقَالُ: تَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ، وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا.
قَوْلُهُ (فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا زَادَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ فَاصْنَعُوا بِهِ ذَلِكَ وَكُلُوهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ مَا رُمِيَ بِالسَّهْمِ فَجُرِحَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ جَسَدِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا أَوْ مُتَوَحِّشًا، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ جَدِّي) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذَا صُورَتُهُ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ