للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُشْكِلِ الْوَسِيطِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَّرَ كَوْنَ الذَّكَاةِ لَا تَحْصُلُ بِالْعَظْمِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَعَظْمٌ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مِنْ نَقْلٍ لِلْمَنْعِ مِنَ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يُعْقَلُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثَ لَا تَذْبَحُوا بِالْعِظَامِ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ تَنْجِيسِهَا لِأَنَّهَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ، اهـ. وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُقَالُ كَانَ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ بِهَا لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُشْكِلِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ بِالْعَظْمِ كَانَ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَقَرَّرَهُمُ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَيْهِ هُنَا. قُلْتُ: وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ) أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ: وَقِيلَ نَهَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِمَا تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ غَالِبًا إِلَّا الْخَنْقُ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَلَى صُورَةِ الذَّبْحِ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الْحَبَشَةَ تُدْمِي مَذَابِحَ الشَّاةِ بِالظُّفُرِ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهَا خَنْقًا. وَاعْتُرِضَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ وَسَائِرِ مَا يَذْبَحُ بِهِ الْكُفَّارُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ وَأَمَّا مَا يَلْتَحِقُ بِهَا فَهُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّشْبِيهُ لِضَعْفِهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ وَشَبَهِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا، ثُمَّ وَجَدْتُ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الظُّفُرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى النَّوْعِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْبَخُورِ فَقَالَ: مَعْقُولٌ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ السِّنَّ إِنَّمَا يُذَكَّى بِهَا إِذَا كَانَتْ مُنْتَزَعَةً، فَأَمَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فَلَوْ ذُبِحَ بِهَا لَكَانَتْ مُنْخَنِقَةً، يَعْنِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّنِّ السِّنُّ الْمُنْتَزَعَةُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِهِ بِالسِّنِّ الْمُنْفَصِلَةِ قَالَ: وَأَمَّا الظُّفُرُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ظُفُرَ الْإِنْسَانِ لَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ فِي السِّنِّ، لَكِنِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الظُّفُرَ الَّذِي هُوَ طِيبٌ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ لَا يَفْرِي فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ.

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ وَلَوْ قُلْتَ وَلَوْ وَقَعَ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهَا، وَفِيهِ انْقِيَادُ الصَّحَابَةِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ حَتَّى فِي تَرْكِ مَا بِهِمْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ الشَّدِيدَةُ. وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ عُقُوبَةَ الرَّعِيَّةِ بِمَا فِيهِ إِتْلَافُ مَنْفَعَةٍ وَنَحْوِهَا إِذَا غَلَبَتِ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَأَنَّ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَجُوزُ فِيهَا التَّعْدِيلُ وَالتَّقْوِيمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ قِسْمَةُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ، وَأَنَّ مَا تَوَحَّشَ مِنَ الْمُسْتَأْنَسِ يُعْطَى حُكْمُ الْمُتَوَحِّشِ وَبِالْعَكْسِ، وَجَوَازُ الذَّبْحِ بِمَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَمْ لَا، وَجَوَازُ عَقْرِ الْحَيَوَانِ النَّادِّ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَبْحِهِ كَالصَّيْدِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنَ الْإِنْسِيِّ وَيَكُونُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَذْبَحًا فَإِذَا أُصِيبَ فَمَاتَ مِنَ الْإِصَابَةِ حَلَّ، أَمَّا الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ فَلَا يُبَاحُ إِلَّا بِالذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ إِجْمَاعًا. وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا فِيهَا.

وَفِيهِ مَنْعُ الذَّبْحِ بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا طَاهِرًا كَانَ أَوْ مُتَنَجِّسًا، وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ السِّنِّ وَالظُّفُرِ الْمُتَّصِلَيْنِ فَخَصُّوا الْمَنْعَ بِهِمَا وَأَجَازُوهُ بِالْمُنْفَصِلَيْنِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْمُتَّصِلَ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ وَالْمُنْفَصِلُ فِي مَعْنَى الْحَجْرِ، وَجَزَمَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُتَّصِلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ قَوْمٌ عَلَى مَنْعِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ فَعُلِّلَ مَنْعُ الذَّبْحِ بِهِ لِكَوْنِهِ عَظْمًا، وَالْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ ثَالِثُهَا يَجُوزُ بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ مُطْلَقًا رَابِعُهَا يَجُوزُ بِهِمَا مُطْلَقًا، حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ الْجَوَازَ مُطْلَقًا عَنْ قَوْمٍ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَمِرَّ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، لَكِنْ عُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ صَحِيحًا فِي حَدِيثِ رَافِعٍ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ، وَسَلَكَ الطَّحَاوِيُّ طَرِيقًا آخَرَ فَاحْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ بِعُمُومِ حَدِيثِ عَدِيٍّ قَالَ: وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا الْعُمُومِ، لَكِنَّهُ فِي الْمَنْزُوعِينَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَفِي غَيْرِ