قَوْلُهُ (بَابُ لُحُومِ الْخَيْلِ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، كَذَا قَالَ، وَدَلِيلُ الْجَوَازِ ظَاهِرُ الْقُوَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ (سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ. وَفَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ هِشَامٍ الْمَذْكُورِ وَزَوْجَتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي بَابِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ أَيُّوبُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ ثَوْبَانَ مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ ثُمَّ رَجَّحَ رِوَايَةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ.
قَوْلُهُ (نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَكَلْنَاهُ) زَادَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ بَابَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَأَكَلْنَاهُ نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلِهَا نَحَرْنَا وذَبَحْنَا وَاخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي تَوْجِيهِهِ، فَقِيلَ: يُحْمَلُ النَّحْرُ عَلَى الذَّبْحِ مَجَازًا.
وَقِيلَ: وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَيْهِ جَنَحَ النَّوَوِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَالْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ: فَبَعْضُ الرُّوَاةِ قَالَ عَنْهُ نَحَرْنَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ ذَبَحْنَا، وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ وَقِيَامُ أَحَدِهِمَا فِي التَّذْكِيَةِ مَقَامَ الْآخَرِ، وَإِلَّا لَمَا سَاغَ لَهُمُ الْإِتْيَانُ بِهَذَا مَوْضِعَ هَذَا، وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ بِعَيْنِهِ فَلَا يَتَحَرَّرُ لِوُقُوعِ التَّسَاوِي بَيْنَ الرُّوَاةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهَا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ، فَيَرُدُّ عَلَى مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى مَنْعِ أَكْلِهَا بِعِلَّةِ أَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْجِهَادِ، وَمِنْ قَوْلِهَا نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُرَدْ لَمْ يُظَنَّ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ يُقْدِمُونَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا وَعِنْدَهُمُ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ، لِشِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِمْ لَهُ، هَذَا مَعَ تَوَفُّرِ دَاعِيَةِ الصَّحَابَةِ إِلَى سُؤَالِهِ عَنِ الْأَحْكَامِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ الصَّحَابِيِّ فَكَيْفَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي.
قَوْلُهُ (حَمَّادٌ) هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَعَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَيِ ابْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْبَاقِرُ أَبُو جَعْفَرٍ كَذَا أَدْخَلَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَلَمَّا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ حَمَّادًا عَلَى ذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا إِلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ.
قُلْتُ: لَكِنِ اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ وَافَقَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرٍو عَلَى إِدْخَالِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ عَمْرٍو، وَجَابِرٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ صَحِيحًا عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا، وَأَغْرَبَ الْبَيْهَقِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ، وَاسْتَغْرَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَصَحُّ مَعَ إِشَارَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ، وَهُوَ ذُهُولٌ فَإِنَّ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عِنْدَهُ اتِّصَالُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَعْوَى الْبَيْهَقِيِّ انْقِطَاعَهُ كَوْنُ التِّرْمِذِيِّ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِيهَا تَصْرِيحُ عَمْرٍو بِالسَّمَاعِ مِنْ جَابِرٍ فَتَكُونُ رِوَايَةُ حَمَّادٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ هِيَ الْمُتَّصِلَةُ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ التَّعَارُضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute