للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وَتَابَعَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْعَامِ، وَأَمَّا لَفْظُ أَبِي الْوَلِيدِ فَسَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قِصَّةِ لُقْمَانَ بِلَفْظِ أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ وَزَادَ فِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ بَعْدَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ فَطَابَتْ أَنْفُسُنَا. وَاقْتَضَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ هَذِهِ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي لُقْمَانَ، لَكِنْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ، وَهُوَ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ. فَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْهُ: فَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ، أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ. وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْهُ: فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ. وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ: إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ لُقْمَانُ.

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي لُقْمَانَ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ وَلِذَلِكَ نَبَّهَهُمْ عَلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ نَبَّهَهُمْ فَتَلْتَئِمُ الرِّوَايَتَانِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ الشِّرْكُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَكْبَرَ مِنْ أَنْ يُلَقَّبَ بِالظُّلْمِ، فَحَمَلُوا الظُّلْمَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا عَدَاهُ - يَعْنِي مِنَ الْمَعَاصِي - فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمْ حَمَلُوا الظُّلْمَ عَلَى عُمُومِهِ، الشِّرْكَ فَمَا دُونَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ صَنِيعُ الْمُؤَلِّفِ. وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (بِظُلْمٍ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ; لَكِنَّ عُمُومَهَا هُنَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إِنْ دَخَلَ عَلَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مَا يُؤَكِّدُ الْعُمُومَ وَيُقَوِّيهِ نَحْوَ مِنْ فِي قَوْلِهِ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، أَفَادَ تَنْصِيصَ الْعُمُومِ، وَإِلَّا فَالْعُمُومُ مُسْتَفَادٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ هُوَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ أَعْلَى أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الشِّرْكُ.

فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ لَبَسَ الْإِيمَانَ بِظُلْمٍ لَا يَكُونَ آمِنًا وَلَا مُهْتَدِيًا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِمْ، وَالسِّيَاقُ إِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الظُّلْمُ فَهُوَ آمِنٌ وَمُهْتَدٍ، فَمَا الَّذِي دَلَّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ، أَوْ مُسْتَفَادٌ مِنَ الِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَقْدِيمِ لَهُمْ عَلَى الْأَمْنِ، أَيْ: لَهُمُ الْأَمْنُ لَا لِغَيْرِهِمْ، كَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ تَقْدِيمُ هُوَ عَلَى قَائِلِهَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، أَيْ: هُوَ قَائِلُهَا لَا غَيْرُهُ، فَإِنْ قِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ أَنَّ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّنْوِينَ فِي قَوْلِهِ لَظُلْمٌ لِلتَّعْظِيمِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الشَّارِعِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ، فَالتَّقْدِيرُ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ عَظِيمٍ أَيْ بِشِرْكٍ، إِذْ لَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَفْظُهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ: بِشِرْكٍ.

أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ فَذَكَرَ الْآيَةَ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمَازِرِيُّ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَنَازَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَكْلِيفُ عَمَلٍ، بَلْ تَكْلِيفُ اعْتِقَادٍ بِتَصْدِيقِ الْخَبَرِ، وَاعْتِقَادُ التَّصْدِيقِ لَازِمٌ لِأَوَّلِ وُرُودِهِ فَمَا هِيَ الْحَاجَةُ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُعْتَقَدَاتُ أَيْضًا تَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ، فَلَمَّا أَجْمَلَ الظُّلْمَ حَتَّى تَنَاوَلَ إِطْلَاقُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي شَقَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَرَدَ الْبَيَانُ فَمَا انْتَفَتِ الْحَاجَةُ. وَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْقِصَّةِ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُمْ حَيْثُ احْتَاجُوا إِلَيْهِ لَمْ يَتَأَخَّرْ.

قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾ أَيْ: لَمْ يَخْلِطُوا، تَقُولُ: لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ، أَلْبِسُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ خَلَطْتُهُ. وَتَقُولُ: لَبِسْتُ الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَالْفَتْحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ فِي شَرْحِهِ: خَلْطُ الْإِيمَانِ بِالشِّرْكِ لَا يُتَصَوَّرُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمُ الصِّفَتَانِ كُفْرٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إِيمَانٍ مُتَقَدِّمٍ. أَيْ: لَمْ يَرْتَدُّوا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، أَيْ: لَمْ يُنَافِقُوا. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِبَابِ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ تَرْتِيبِهِ. ثُمَّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ ثَلَاثَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ: وَهُمُ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَيْخِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ