للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَذْمُومَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ النِّفَاقِ كَوْنُهَا عَلَامَةً عَلَى النِّفَاقِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَاتُ دَالَّاتٍ عَلَى أَصْلِ النِّفَاقِ، وَالْخَصْلَةُ الزَّائِدَةُ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى ذَلِكَ كَمُلَ بِهَا خُلُوصُ النِّفَاقِ. عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ عَدَمِ الْحَصْرِ، فَإِنَّ لَفْظَهُ مِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وَكَذَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَإِذَا حُمِلَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا لَمْ يَرِدِ السُّؤَالُ، فَيَكُونُ قَدْ أَخْبَرَ بِبَعْضِ الْعَلَامَاتِ فِي وَقْتِ، وَبِبَعْضِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا وَالنَّوَوِيُّ: حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ خَمْسُ خِصَالٍ ; لِأَنَّهُمَا تَوَارَدَتَا عَلَى الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَالْخِيَانَةِ فِي الْأَمَانَةِ، وَزَادَ الْأَوَّلُ الْخُلْفَ فِي الْوَعْدِ وَالثَّانِي الْغَدْرَ فِي الْمُعَاهَدَةِ وَالْفُجُورَ فِي الْخُصُومَةِ. قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الثَّانِي بَدَلُ الْغَدْرِ فِي الْمُعَاهَدَةِ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ تَصَرَّفَ فِي لَفْظِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا قَدْ يَتَّحِدُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَزِيدُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْفُجُورُ فِي الْخُصُومَةِ، وَالْفُجُورُ الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ وَالِاحْتِيَالُ فِي رَدِّهِ. وَهَذَا قَدْ يَنْدَرِجُ فِي الْخَصْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْكَذِبُ فِي الْحَدِيثِ. وَوَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْعَلَامَاتِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا مُنَبِّهَةٌ عَلَى مَا عَدَاهَا، إِذْ أَصْلُ الدِّيَانَةِ مُنْحَصِرٌ فِي ثَلَاثٍ: الْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ، وَالنِّيَّةِ. فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِالْكَذِبِ، وَعَلَى فَسَادِ الْفِعْلِ بِالْخِيَانَةِ، وَعَلَى فَسَادِ النِّيَّةِ بِالْخُلْفِ ; لِأَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ لَا يَقْدَحُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْعَزْمُ عَلَيْهِ مُقَارِنًا لِلْوَعْدِ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَازِمًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ أَوْ بَدَا لَهُ رَأْيٌ فَهَذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ النِّفَاقِ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَا يَشْهَدُ لَهُ، فَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ إِذَا وَعَدَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ يُخْلِفُ وَكَذَا قَالَ فِي بَاقِي الْخِصَالِ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ أُجْمِعَ عَلَى تَرْكِهِ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مُخْتَصَرٌ بِلَفْظِ إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ لَهُ فَلَمْ يَفِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (إِذَا وَعَدَ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: يُقَالُ وَعَدْتُهُ خَيْرًا، وَوَعَدْتُهُ شَرًّا. فَإِذَا أَسْقَطُوا الْفِعْلَ قَالُوا فِي الْخَيْرِ: وَعَدْتُهُ، وَفِي الشَّرِّ: أَوْعَدْتُهُ. وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي نَوَادِرِهِ: أَوْعَدْتُهُ خَيْرًا بِالْهَمْزَةِ. فَالْمُرَادُ بِالْوَعْدِ فِي الْحَدِيثِ الْوَعْدُ بِالْخَيْرِ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَيُسْتَحَبُّ إِخْلَافُهُ. وَقَدْ يَجِبُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِ إِنْفَاذِهِ مَفْسَدَةٌ.

وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي الْحَدِيثِ فَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جُرِّبَ عَلَيْهِ كَذِبٌ فَقَالَ: أَيُّ نَوْعٍ مِنَ الْكَذِبِ؟ لَعَلَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَيْشٍ لَهُ سَلَفَ فَبَالَغَ فِي وَصْفِهِ، فَهَذَا لَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الْأَشْيَاءِ بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ قَاصِدًا الْكَذِبَ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُشْكَلًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ قَدْ تُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِ الْمُجْمَعِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِكُفْرِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ إِشْكَالٌ، بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ خِصَالُ نِفَاقٍ، وَصَاحِبَهَا شَبِيهٌ بِالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ. قُلْتُ: وَمُحَصَّلُ هَذَا الْجَوَابِ الْحَمْلُ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمَجَازِ، أَيْ: صَاحِبُ هَذِهِ الْخِصَالِ كَالْمُنَافِقِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْكُفْرِ. وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْعَمَلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَهَذَا ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ عُمَرَ، لِحُذَيْفَةَ: هَلْ تَعْلَمُ فِيَّ شَيْئًا مِنَ النِّفَاقِ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نِفَاقَ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نِفَاقَ الْعَمَلِ. وَيُؤَيِّدُهُ وَصْفُهُ بِالْخَالِصِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِ النِّفَاقِ الْإِنْذَارُ وَالتَّحْذِيرُ عَنِ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْخِصَالِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَهَذَا ارْتَضَاهُ الْخَطَّابِيُّ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ هُوَ مَنِ اعْتَادَ ذَلِكَ وَصَارَ لَهُ دَيْدَنًا. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِإِذَا، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ. كَذَا قَالَ.

وَالْأَوْلَى مَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: إِنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ مِنْ حَدَّثَ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، أَيْ: إِذَا حَدَّثَ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَذَبَ فِيهِ. أَوْ يَصِيرُ قَاصِرًا، أَيْ: إِذَا