للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الَّذِي أَخْرَجَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الْبَابِ، فَرَوَى الطَّيَالِسِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْبَيْتِ مُشْكِلٌ، مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَيْتِ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فِيهِ تَصْحِيفًا، وَالصَّوَابُ يَعْنِي صَلَاتَكُمْ لِغَيْرِ الْبَيْتِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَصْحِيفَ فِيهِ بَلْ هُوَ صَوَابٌ، وَمَقَاصِدُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ دَقِيقَةٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْجِهَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا لِلصَّلَاةِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ; لَكِنَّهُ لَا يَسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ بَلْ يَجْعَلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَأَطْلَقَ آخَرُونَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةَ، فَلَمَّا تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَيَلْزَمُ مِنْهُ دَعْوَى النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى الْجَزْمِ بِالْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْبَيْتِ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِالْأَوْلَوِيَّةِ ; لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ إِلَى غَيْرِ جِهَةِ الْبَيْتِ وَهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِذَا كَانَتْ لَا تَضِيعُ فَأَحْرَى أَنْ لَا تَضِيعَ إِذَا بَعُدُوا عَنْهُ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: يَعْنِي صَلَاتَكُمُ الَّتِي صَلَّيْتُمُوهَا عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ، عَنْ عَبْدُوسٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ، وَلَيْسَ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ مَنِ اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ وَلَا فِي جَمِيعِ رِجَالِهِ بَلْ وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ وَبِهَا سَمِعَ مِنْهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ، وَسَمَاعُ زُهَيْرٍ مِنْهُ - فِيمَا قَالَ أَحْمَدُ - بَعْدَ أَنْ بَدَأَ تَغَيُّرَهُ، لَكِنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ حَفِيدُهُ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (عَنِ الْبَرَاءِ) هُوَ ابْنُ عَازِبٍ الْأَنْصَارِيُّ، صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ فَأُمِنَ مَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِ أَبِي إِسْحَاقَ.

قَوْلُهُ: (أَوَّلَ) بِالنَّصْبِ أَيْ فِي أَوَّلِ زَمَنِ قُدُومِهِ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ أَخْوَالُهُ) الشَّكُّ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفِي إِطْلَاقِ أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مَجَازٌ ; لِأَنَّ الْأَنْصَارَ أَقَارِبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ، لِأَنَّ أُمَّ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِنْهُمْ، وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ.

وَإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ بِالْمَدِينَةِ عَلَى إِخْوَتِهِمْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَفِيهِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ ثَانٍ.

قَوْلُهُ: (قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ إِلَى جِهَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

قَوْلُهُ: (سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ) كَذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ هَذ هِ هُنَا، وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَهُ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا. وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رَجَاءَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ: سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصَ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَشَرِيكٍ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ - بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا - كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَكَذَا لِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَلِلْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ سَبْعَةَ عَشَرَ وَكَذَا لِلطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ سَهْلٌ بِأَنْ يَكُونَ مَنْ جَزَمَ بِسِتَّةَ عَشَرَ لَفَّقَ مِنْ شَهْرِ الْقُدُومِ وَشَهْرِ التَّحْوِيلِ شَهْرًا وَأَلْغَى الزَّائِدَ، وَمَنْ جَزَمَ بِسَبْعَةَ عَشَرَ عَدَّهُمَا مَعًا، وَمَنْ شَكَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُومَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِلَا