للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) كَذَا تَرْجَمَ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ كَانَ يَتَنَفَّسُ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَالَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا التَّعَارُضُ، إِذِ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ وَالثَّانِي يُثْبِتُ التَّنَفُّسَ، فَحَمَلَهُمَا عَلَى حَالَتَيْنِ: فَحَالَةُ النَّهْيِ عَلَى التَّنَفُّسِ دَاخِلَ الْإِنَاءِ، وَحَالَةُ الْفِعْلِ عَلَى مَنْ تَنَفَّسَ خَارِجَهُ، فَالْأَوَّلُ: عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ النَّهْيِ، وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي حَالَةِ الشُّرْبِ مِنَ الْإِنَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَوْرَدَ ابْنُ بَطَّالٍ سُؤَالَ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَجَابَ بالجمع بَيْنَهُمَا فَأَطْنَبَ، وَلَقَدِ أَغْنَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ لَفْظِ التَّرْجَمَةِ: فَجَعَلَ الْإِنَاءَ فِي الْأَوَّلِ ظَرْفًا لِلتَّنَفُّسِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِاسْتِقْذَارِهِ، وَقَالَ فِي الثَّانِي الشُّرْبُ بِنَفَسَيْنِ فَجَعَلَ النَّفَسَ الشُّرْبَ، أَيْ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَفَسٍ وَاحِدٍ بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَ الشُّرْبَيْنِ بِنَفَسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ خَارِجَ الْإِنَاءِ. فَعُرِفَ بِذَلِكَ انْتِفَاءُ التَّعَارُضِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ أَيْ عَلَى الشَّرَابِ لَا فِيهِ دَاخِلَ الْإِنَاءِ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا صَارَ الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَنْسُوخًا لَا مَحَالَةَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّسْخِ، وَالْجَمْعُ مَهْمَا أَمْكَنَ أَوْلَى. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ، فَقَالَ رَجُلٌ: الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ، قَالَ: أَهْرِقْهَا.

قَالَ: فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ، قَالَ: فَأَبِنِ الْقَدَحَ إِذًا عَنْ فِيكَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيُنَحِّ الْإِنَاءَ ثُمَّ لْيَعُدِ إِنْ كَانَ يُرِيدُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ وَعَلَى اخْتِيَارِ الثَّلَاثِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ أَنْ لَا يَجْعَلَ نَفَسَهُ دَاخِلَ الْإِنَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَتَنَفَّسَ خَارِجَهُ طَلَبَ الرَّاحَةِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْجَوَازَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَطَائِفَةٍ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّمَا نَهَى عَنِ التَّنَفُّسِ دَاخِلَ الْإِنَاءِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَنَفَّسْ فَإِنْ شَاءَ فَلْيَشْرَبْ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ. قُلْتُ: وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ. وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالشُّرْبِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَزْرَةُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ ابْنُ ثَابِتٍ، هُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ أَنْصَارِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ نَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ لِأُمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَغَيْرِهِمَا، فَهَذَا الْإِسْنَادُ لَهُ حُكْمُ الثُّلَاثِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ شَيْخُ تَابِعِيهِ فِيهِ تَابِعِيًّا آخَرَ.

قَوْلُهُ: (كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَرَّةِ، بَلِ إِنْ رُوِيَ مِنْ نَفَسَيْنِ اكْتَفَى بِهِمَا وَإِلَّا فَثَلَاثٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ، فَقَدْ أَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَزْرَةَ بِلَفْظِ كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا وَلَمْ يَقُلْ أَوْ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: لَا تَشْرَبُوا وَاحِدَةً كَمَا يَشْرَبُ الْبَعِيرُ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ. فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ يُقَوِّي مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّنْوِيعِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا شَرِبَ تَنَفَّسَ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَرَّتَيْنِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّنَفُّسُ فِي أَثْنَاءِ الشُّرْبِ فَيَكُونُ قَدْ شَرِبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَسَكَتَ عَنِ التَّنَفُّسِ الْأَخِيرِ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاقِعِ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: هُوَ أَرْوَى وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَهْنَأُ بَدَلَ قَوْلِهِ أَرْوَى، وَقَوْلُهُ: أَرْوَى هُوَ مِنَ الرِّيِّ بِكَسْرِ الرَّاءِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ أَيْ أَكْثَرُ الري، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ مَهْمُوزًا لِلْمُشَاكَلَةِ، وَأَمْرَأُ بِالْهَمْزِ مِنَ الْمَرَاءَةِ، يُقَالُ مَرَأَ الطَّعَامُ بِفَتْحِ الرَّاءِ يَمْرَأُ بِفَتْحِهَا وَيَجُوزُ