للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابُ الْمَرْضَى. بَابُ مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الْمَرَضِ) كَذَا لَهُمْ، إِلَّا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ سَقَطَتْ لِأَبِي ذَرٍّ، وَخَالَفَهُمُ النَّسَفِيُّ فَلَمْ يُفْرِدْ كِتَابَ الْمَرْضَى مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ، بَلْ صَدَّرَ بِكِتَابِ الطِّبِّ ثُمَّ بَسْمَلَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَابُ مَا جَاءَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى آخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ، وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كِتَابُ. وَالْمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا مَرَضُ الْبَدَنِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَرَضُ عَلَى مَرَضِ الْقَلْبِ إِمَّا لِلشُّبْهَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ وَإِمَّا لِلشَّهْوَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ وَوَقَعَ ذِكْرُ مَرَضِ الْبَدَنِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الطِّبِّ. وَالْكَفَّارَةُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنَ التَّكْفِيرِ، وَأَصْلُهُ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ ذُنُوبَ الْمُؤْمِنِ تَتَغَطَّى بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ أَلَمِ الْمَرَضِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَتْ لَهُ كَفَّارَةٌ بَلْ هُوَ الْكَفَّارَةُ نَفْسُهَا، فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ شَجَرُ الْأَرَاكِ.

أَوِ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي، أَوْ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، وَأَسْنَدَ التَّكْفِيرَ لِلْمَرَضِ لِكَوْنِهِ سَبَبَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ ﷿: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِلْبَابِ أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ، إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ سَيِّئَةً فَإِنَّهُ يُجَازَى بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَضَ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُكَفِّرًا لِلْخَطَايَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ جَزَاءً لَهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُجَازَى عَلَى خَطَايَاهُ فِي الدُّنْيَا بِالْمَصَائِبِ الَّتِي تَقَعُ لَهُ فِيهَا فَتَكُونُ كَفَّارَةً لَهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ نَزَلَتْ فِي الْكَفَّارَةِ خَاصَّةً، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا أَوْرَدَهُ الطَّبَرِيُّ وَتَعَقَّبَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَهَا ثُمَّ أَوْرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى شَرْطِهِ مَا يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِهَا، وَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ فَقَالَ: إِنَّا لَنُجْزَى بِكُلِّ مَا عَمِلْنَاهُ؟ هَلَكْنَا إِذًا.

فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ: نَعَمْ يُجْزَى بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُصِيبَةٍ فِي جَسَدِهِ مِمَّا يُؤْذِيهِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾؟ فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ، أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ : قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا وَالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ في الباب سِتَّةَ أَحَادِيثَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.

قَوْلُهُ: (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ) أَصْلُ الْمُصِيبَةِ الرَّمْيَةُ بِالسَّهْمِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصَابَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ﴾ الْآيَةَ قَالَ: وَقِيلَ: الْإِصَابَةُ فِي الْخَيْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَّوْبِ وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَفِي الشَّرِّ مَأْخُوذَةٌ مِنْ إِصَابَةِ السَّهْمِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمُصِيبَةُ فِي اللُّغَةِ مَا يَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ مُطْلَقًا، وَفِي الْعُرْفِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ خَاصَّةً، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (تُصِيبُ الْمُسْلِمَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا السَّنَدِ مَا مِنْ وَجَعٍ أَوْ مَرَضٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ، وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ