لَكِنِ الرِّيحُ أَيْضًا بَلَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَامَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ الْمُؤْمِنَ بِالْخَامَةِ أَثْبَتَ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُشَبَّهِ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفًا. وَالتَّقْدِيرُ: اسْتَقَامَتْ، أَيْ فَإِذَا اعْتَدَلَتِ الرِّيحُ اسْتَقَامَتِ الْخَامَةُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَكَفَّأَ بِالْبَلَاءِ رُجُوعًا إِلَى وَصْفِ الْمُسْلِمِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ، وَسِيَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْتُ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحٍ عَالِيًا بِإِسْنَادِهِ الَّذِي هُنَا وَقَالَ فِيهِ: فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكْفَأُ بِالْبَلَاءِ.
(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فِي تَرْجَمَةِ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ خَامَةِ الزَّرْعِ خ فِي الطِّبِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحٍ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - يَعْنِي ابْنَ عَسَاكِرَ - لَمْ أَجِدْ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَلَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ خَلَفًا تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ. قُلْتُ: وَرِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْمَرْضَى كَمَا تَرَى لَا فِي الطِّبِّ، لَكِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فَقَدْ بَيَّنْتُ أَيْنَ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، فَيُتَعَجَّبُ مِنْ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَى هَذَيْنِ الْحَافِظَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالْمِزِّيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَاجِرُ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَالْكَافِرُ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَافِقِ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ نِفَاقُ الْكُفْرِ.
قَوْلُهُ: (صَمَّاءُ) أَيْ صُلْبَةٌ شَدِيدَةٌ بِلَا تَجْوِيفٍ.
قَوْلُهُ: (يَقْصِمُهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِالْقَافِ أَيْ يَكْسِرُهَا، وَكَأَنَّهُ مُسْتَنَدُ الدَّاوُدِيِّ فِيمَا فَسَّرَ بِهِ الِانْجِعَافَ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الِانْقِلَاعَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْإِزَالَةُ، وَالْمُرَادُ خُرُوجُ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) هَكَذَا جَرَّدَ مَالِكٌ نَسَبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلَى جَدِّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى جَدِّهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (أَبَا الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا.
قَوْلُهُ: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْفَاعِلُ اللَّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ يَبْتَلِيهِ بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ يُوَجِّهُ إِلَيْهِ الْبَلَاءَ فَيُصِيبُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوِيهِ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَسَمِعْتُ ابْنَ الْخَشَّابِ يَفْتَحُ الصَّادَ، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَلْيَقُ. كَذَا قَالَ، وَلَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجَّهَ الطِّيبِيُّ الْفَتْحَ بِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْأَدَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لِلْكَسْرِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَفَعَهُ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ، وَمَنْ جَزَعَ فَلَهُ الْجَزَعُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ رَآهُ وَهُوَ صَغِيرٌ. وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْفَكُّ غَالِبًا مِنْ أَلَمٍ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَاضَ وَالْأَوْجَاعَ وَالْآلَامَ - بَدَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ قَلْبِيَّةً - تُكَفِّرُ ذُنُوبَ مَنْ تَقَعُ لَهُ.
وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَظَاهِرُهُ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، لَكِنِ الْجُمْهُورُ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ الْوَارِدَةَ فِي التَّكْفِيرِ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعْمِيمُ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحَةٌ لِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ، فَيُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا مَا شَاءَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَكُونُ كَثْرَةُ التَّكْفِيرِ وَقِلَّتُهُ