بِالصَّوَابِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ثِقَةٌ، يَعْنِي وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا.
قَوْلُهُ: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ)، الْحَدِيثَ. يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَهُ مُفْرَدًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ هُنَا اسْتِطْرَادًا لَا قَصْدًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَتَمَنَّى … إِلَخْ، وَقَدْ أَفْرَدَهُ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَمَنَّى)، كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَهُوَ لَفْظُ نَفْيٍ بِمَعْنَى النَّهْيِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَا يَتَمَنَّ، عَلَى لَفْظِ النَّهْيِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْآتِيَةِ بِلَفْظِ: لَا يَتَمَنَّى، لِلْأَكْثَرِ، وَبِلَفْظِ: لَا يَتَمَنَّيَنَّ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةِ نُونِ التَّأْكِيدِ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ: وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَهُوَ قَيْدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا حَلَّ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَمَنِّيهِ رِضًا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَلَا مِنْ طَلَبِهِ مِنَ اللَّهِ لِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ عَقَّبَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالَةِ الَّتِي قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا كَانَ أَكْثَرُ اسْتِحْضَارِهِ وَإِيثَارِهِ لِلْأَخْفَى عَلَى الْأَجْلَى شَحْذًا لِلْأَذْهَانِ. وَقَدْ خَفِيَ صَنِيعُهُ هَذَا عَلَى مَنْ جَعَلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ مُعَارِضًا لِأَحَادِيثِ الْبَابِ أَوْ نَاسِخًا لَهَا، وَقَوِيَ ذَلِكَ بِقَوْلِ يُوسُفَ ﵇: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ قَالَ ابْنُ التِّينِ: قِيلَ: إِنَّ النَّهْيَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ يُوسُفَ، فَذَكَرَهُ، وَبِقَوْلِ سُلَيْمَانَ: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ، وَبِدُعَاءِ عُمَرَ بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا سَأَلُوا مَا قَارَبَ الْمَوْتَ.
قُلْتُ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مُرَادِ يُوسُفَ ﵇، فَقَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يَتَمَنَّ الْمَوْتَ أَحَدٌ إِلَّا يُوسُفُ حِينَ تَكَامَلَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ، وَجُمِعَ لَهُ الشَّمْلُ اشْتَاقَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ مُرَادُهُ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِي، كَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَكَذَلِكَ مُرَادُ سُلَيْمَانَ ﵇. وَعَلَى تَقْدِيرِ الْحَمْلِ عل قَالَ قَتَادَةُ: فَهُوَ لَيْسَ مِنْ شَرْعِنَا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا النَّهْيُ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ نُزُولَ الْمَوْتِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَكَمْ مَنِ انْتَهَى إِلَى غَايَةٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِمَوْتِ مَنْ يَصِلُ إِلَيْهَا ثُمَّ عَاشَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ حَالُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَالَ مَنْ يَتَمَنَّى نُزُولَهُ بِهِ وَيَرْضَاهُ أَنْ لَوْ وَقَعَ بِهِ، وَالْمَعْنَى أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ إِلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَيَرْضَى بِهِ وَلَا يَقْلَقُ، وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ.
قَوْلُهُ: (إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ) أَيْ يَرْجِعُ عَنْ مُوجِبِ الْعَتْبِ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنُ عُمْرَهُ إِلَّا خَيْرًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَالدُّعَاءِ بِهِ هُوَ انْقِطَاعُ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ، فَإِنَّ الْحَيَاةَ يَتَسَبَّبُ مِنْهَا الْعَمَلُ، وَالْعَمَلُ يُحَصِّلُ زِيَادَةَ الثَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ إِلَّا اسْتِمْرَارُ التَّوْحِيدِ فَهُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الِارْتِدَادُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - عَنِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَالْإِيمَانُ بَعْدَ أَنْ تُخَالِطَ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ ذَلِكَ - وَقَدْ وَقَعَ لَكِنْ نَادِرًا - فَمَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ خَاتِمَةُ السُّوءِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا طَالَ عُمْرُهُ أَوْ قَصُرَ، فَتَعْجِيلُهُ بِطَلَبِ الْمَوْتِ لَا خَيْرَ لَهُ فِيهِ.
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِسَعْدٍ: يَا سَعْدُ إِنْ كُنْتَ خُلِقْتَ لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ مِنْ عُمْرِكَ أَوْ حَسُنَ مِنْ عَمَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ: وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنُ عُمْرَهُ إِلَّا خَيْرًا، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ قَدْ يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ فَيَزِيدُهُ عُمُرُهُ شَرًّا، وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا حَمْلُ الْمُؤْمِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute