الْمُصَنِّفِ لَهُ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا تَصْرِيحُ قَتَادَةَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ عَنْ أَنَسٍ، ثَانِيَتُهُمَا تَعْبِيرُهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: مِنْ إِيمَانٍ بَدَلَ قَوْلِهِ: مِنْ خَيْرٍ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا الْإِيمَانُ. فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْأُولَى لِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِطَرِيقِ أَبَانَ السَّالِمَةِ مِنَ التَّدْلِيسِ وَيَسُوقُهَا مَوْصُولَةً؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَبَانَ وَإِنْ كَانَ مَقْبُولًا لَكِن هِشَام أَتْقَنُ مِنْهُ وَأَضْبَطُ. فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ هَذَا الْمَتْنِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ مَوْصُولًا وَمُعَلَّقًا كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ.
٤٥ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وهو قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
[الحديث ٤٥ - أطرافه في: ٧٢٦٨، ٤٦٠٦، ٤٤٠٧]
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ) مُرَادُهُ: أَنَّهُ سَمِعَ، وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِحَذْفِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا خَطًّا لَا نُطْقًا كَقَالَ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ) هَذَا الرَّجُلُ هُوَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، بَيَّنَ ذَلِكَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ كَعْبٍ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُودِ. وَلَهُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: قَالَتِ الْيَهُودُ. فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِينَ سُؤَالِ كَعْبٍ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةً، وَتَكَلَّمَ كَعْبٌ عَلَى لِسَانِهِمْ.
قَوْلُهُ: (لَاتَّخَذْنَا. . إِلَخْ) أَيْ لَعَظَّمْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ عِيدًا لَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ لِعِظَمِ مَا حَصَلَ فِيهِ مِنْ إِكْمَالِ الدِّينِ. وَالْعِيدُ فِعْلٌ مِنَ الْعَوْدِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَعُودُ فِي كُلِّ عَامٍ.
قَوْلُهُ: (نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ) زَادَ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَزَادَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ: وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ طَابَقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ لِأَنَّهُ قَالَ: لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، وَأَجَابَ عُمَرُ ﵁ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ، وَلَمْ يَقُلْ جَعَلْنَاهُ عِيدًا؟ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُخْرَيَاتِ نَهَارِ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الْعِيدِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَوَّلِهِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلْقَابِلَةِ، قَالَهُ هَكَذَا بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ اكْتَفَى فِيهَا بِالْإِشَارَةِ، وَإِلَّا فَرِوَايَةُ إِسْحَاقَ عَنْ قَبِيصَةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَدْ نَصَّتْ عَلَى الْمُرَادِ وَلَفْظُهُ: نَزَلَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ لَنَا عِيدٌ لَفْظُ الطَّبَرِيِّ، وَالطَّبَرَانِيِّ: وَهُمَا لَنَا عِيدَانِ وَكَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ، يَوْمِ جُمُعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ فَظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ تَضَمَّنَ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، وهو يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَاتَّخَذُوا يَوْمَ عَرَفَةَ عِيدًا لِأَنَّهُ لَيْلَةُ الْعِيدِ، وَهَكَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي فِي الصِّيَامِ: شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ فَسُمِّيَ رَمَضَانُ عِيدًا لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ الْعِيدُ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ دَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ؟ أُجِيبَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute