بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ، أَيْ: كَثُرَ خُرُوجُ مَا فِيهِ، يُرِيدُ الْإِسْهَالَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فِي رَابِعِ بَابٍ مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ: هَذَا ابْنُ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ: قَدْ عَرِبَ بَطْنُهُ، وَهِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ، ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: فَسَدَ هَضْمُهُ لِاعْتِلَالِ الْمَعِدَةِ، وَمِثْلُهُ ذَرِبَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْعَيْنِ وَزْنًا وَمَعْنًى.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا) وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ: اسْقِهِ الْعَسَلَ، وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ عَسَلُ النَّحْلِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ، وَظَاهِرُهُ الْأَمْرُ بِسَقْيِهِ صِرْفَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَمْزُوجًا.
قَوْلُهُ: (فَسَقَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا) كَذَا فِيهِ، وَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَسَقَاهُ فَلَمْ يَبْرَأْ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزْدَدِ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ، لَكِنْ قَرَنَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَقَالَ: إِنَّ اللَّفْظَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى. نَعَمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَحْدَهُ بِلَفْظِ: ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ)، كَذَا اخْتَصَرَهُ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، فَقَالَ: سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ: فَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ، كَذَلِكَ ثَلَاثًا، وَفِيهِ: فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: اسْقِهِ عَسَلًا. وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِيهِنَّ مَا قَالَ فِي الْأُولَى. وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ بِلَفْظِ: ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ). زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ: فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. وَكَذَا لِلتِّرْمِذِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ اسْقِهِ عَسَلًا، قَالَ: فَأَظُنُّهُ قَالَ: فَسَقَاهُ فَبَرَأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الرَّابِعَةِ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ. كَذَا وَقَعَ لِيَزِيدَ بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ: فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ. وَالَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَرْجَحُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَعَ مِنْهُ ﷺ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ عَسَلًا فَسَقَاهُ فِي الرَّابِعَةِ فَبَرَأَ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ: ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ النَّضْرُ)، يَعْنِي: ابْنَ شُمَيْلٍ بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّر (عَنْ شُعْبَةَ) وَصَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّضْرِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَتَابَعَهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ.
قُلْتُ: رِوَايَةُ يَحْيَى عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي الْكُبْرَى وَرِوَايَةُ خَالِدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، وَرِوَايَةُ يَزِيدَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَتَابَعَهُمْ أَيْضًا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَرِوَايَتُهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْكَذِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَطَأِ، يُقَالُ: كَذَبَ سَمْعُكَ، أَيْ: زَلَّ فَلَمْ يُدْرِكْ حَقِيقَةَ مَا قِيلَ لَهُ، فَمَعْنَى: كَذَبَ بَطْنُهُ، أَيْ: لَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ الشِّفَاءِ، بَلْ زَلَّ عَنْهُ، وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ، فَقَالَ: الْعَسَلُ مُسَهِّلٌ، فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الْإِسْهَالُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ، بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ فَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالْعَادَةِ، وَالزَّمَانِ وَالْغِذَاءِ الْمَأْلُوفِ، وَالتَّدْبِيرِ وَقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْدُثُ مِنْ أَنْوَاعٍ مِنْهَا الْهَيْضَةُ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ تُخَمَةٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهَا بِتَرْكِ الطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا، فَإِنَّ احتَاجَتِ إِلَى مُسَهِّلٍ مُعَيَّنٍ أُعِينَتْ مَا دَامَ بِالْعَلِيلِ قُوَّةٌ، فَكَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ عَنْ تُخَمَةٍ أَصَابَتْهُ فَوَصَفَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْعَسَلَ لِدَفْعِ الْفُضُولِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي نَوَاحِي الْمَعِدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute