للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥٧٣٢ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ قَالَتْ "قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَحْيَى بِمَ مَاتَ؟ قُلْتُ: مِنْ الطَّاعُونِ؟ قَالَ: قال رسول الله : "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".

٥٧٣٣ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ".

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ)، أَيْ: مِمَّا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِهِ. وَالطَّاعُونُ بِوَزْنِ فَاعُولٍ مِنَ الطَّعْنِ، عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ، وَوَضَعُوهُ دَالًا عَلَى الْمَوْتِ الْعَامِّ كَالْوَبَاءِ، وَيُقَالُ: طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُونٌ وَطَعِينٌ إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُونُ، وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْنُ بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُونٌ، هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: الطَّاعُونُ الْوَبَاءُ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الطَّاعُونُ الْمَرَضُ الْعَامُّ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ، وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ وَالْأَبْدَانُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الطَّاعُونُ الْوَجْهُ الْغَالِبُ الَّذِي يُطْفِئُ الرُّوحَ كَالذَّبْيحَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابِهِ وَسُرْعَةِ قَتْلِهِ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِي: هُوَ مَرَضٌ يَعُمُّ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ فِي جِهَةِ مِنَ الْجِهَاتِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاضِ النَّاسِ، وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ، فَتَكُونُ الْأَمْرَاضُ مُخْتَلِفَةً. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: الطَّاعُونُ حَبَّةٌ تَخْرُجُ مِنَ الْأَرْقَاعِ، وَفِي كُلِّ طَيٍّ مِنَ الْجَسَدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الْوَبَاءُ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: أَصْلُ الطَّاعُونِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ فِي الْجَسَدِ، وَالْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ، فَسُمِّيَتْ طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاكِ، وَإِلَّا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ وَبَاءَ الشَّامِ الَّذِي وَقَعَ فِي عَمَوَاسَ إِنَّمَا كَانَ طَاعُونًا، وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّاعُونَ وَخْزُ الْجِنِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الطَّاعُونُ غُدَّةٌ تَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ وَالْآبَاطِ، وَقَدْ تَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ، وَحَيْثُ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: قِيلَ: الطَّاعُونُ انْصِبَابُ الدَّمِ إِلَى عُضْوٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ هَيَجَانُ الدَّمِ وَانْتِفَاخُهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْجُذَامِ، مَنْ أَصَابَهُ تَأَكَّلَتْ أَعْضَاؤُهُ وَتَسَاقَطَ لَحْمُهُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ انْتِفَاخُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مِنَ الدَّمِ مَعَ الْحُمَّى أَوِ انْصِبَابُ الدَّمِ إِلَى بَعْضِ الْأَطْرَافِ، فيَنْتَفِخُ وَيَحْمَرُّ ; وَقَدْ يَذْهَبُ ذَلِكَ الْعُضْوُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي تَهْذِيبِهِ: هُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا، يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ، وَيَسْوَدُّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً شَدِيدةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدُرَّةٍ، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ وَقَيْءٌ، وَيَخْرُجُ غَالِبًا فِي الْمَرَاقِّ وَالْآبَاطِ، وَقَدْ يَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا: الطَّاعُونُ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا يَحْدُثُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّخْوَةِ وَالْمَغَابِنِ مِنَ الْبَدَنِ ; وَأَغْلَبُ مَا تَكُونُ تَحْتَ الْإِبْطِ أَوْ خَلْفَ الْأُذُنِ أَوْ عِنْدَ الْأَرْنَبَةِ.

قَالَ: وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إِلَى الْعُفُونَةِ وَالْفَسَادِ يَسْتَحِيلُ إِلَى جَوْهَرٍ سُمِّيٍّ يُفْسِدُ الْعُضْوَ وَيُغَيِّرُ مَا يَلِيهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً رَدِيئَةً فَيُحْدِثُ الْقَيْءَ وَالْغَثَيَانَ وَالْغَشْيَ وَالْخَفَقَانَ، وَهُوَ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْضَاءِ إِلَّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطَّبْعِ، وَأَرْدَؤُهُ مَا يَقَعُ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَالْأَسْوَدُ مِنْهُ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ، وَأَسْلَمُهُ الْأَحْمَرُ ثم الْأَصْفَرُ. وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ الْوَبَاءِ فِي الْبِلَادِ الْوَبِئَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الطَّاعُونِ وَبَاءً وَبِالْعَكْسِ، وَأَمَّا الْوَبَاءُ فَهُوَ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الرُّوحِ وَمَدَدُهُ.

قُلْتُ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَطِبَّاءِ فِي تَعْرِيفِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ وَرَمٌ يَنْشَأُ