عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، زَادَ مَالِكٌ: وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ كِلَاهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ. الْحَدِيثَ، كَذَا وَقَعَ بِالشَّكِّ، وَوَقَعَ بِالْجَزْمِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ: فَإِنَّهُ رِجْزٌ سُلِّطَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِالْجَزْمِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ لَكِنْ قَالَ: رِجْزٌ أُصِيبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ.
(تَنْبِيهٌ):
وَقَعَ الرِّجْسُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعَ الرِّجْزِ بِالزَّايِ، وَالَّذِي بِالزَّايِ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ الْعَذَابُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الَّذِي بِالسِّينِ أَنَّهُ الْخَبِيثُ أَوِ النَّجِسُ أَوِ الْقَذِرُ، وَجَزَمَ الْفَارَابِيُّ، وَالْجَوْهَرِيُّ بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَذَابِ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ وَحَكَاهُ الرَّاغِبُ أَيْضًا. وَالتَّنصِيصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَصُّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ بَلْعَامَ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَحَدِ صِغَارِ التَّابِعِينَ عَنْ سَيَّارٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَامُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَأَنَّ مُوسَى أَقْبَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُرِيدُ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا بَلْعَامُ، فَأَتَاهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا: ادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَمُنِعَ، فَأَتَوْهُ بِهَدِيَّةٍ فَقَبِلَهَا وَسَأَلُوهُ ثَانِيًا فَقَالَ حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: لَوْ كَرِهَ لَنَهَاكَ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَصَارَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يَدْعُو بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَنْقَلِبُ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَامُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: سَأَدُلُّكُمْ عَلَى مَا فِيهِ هَلَاكُهُمُ؛ أَرْسِلُوا النِّسَاءَ فِي عَسْكَرِهِمْ وَمُرُوهُنَّ أَنْ لَا يَمْتَنِعْنَ مِنْ أَحَدٍ، فَعَسَى أَنْ يَزْنُوا فَيَهْلِكُوا، فَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ بِنْتُ الْمَلِكِ فَأَرَادَهَا رَأْسُ بَعْضِ الْأَسْبَاطِ وَأَخْبَرَهَا بِمَكَانِهِ فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الطَّاعُونُ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَمَعَهُ الرُّمْحُ فَطَعَنَهُمَا وَأَيَّدَهُ اللَّهُ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا.
وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَسَيَّارٌ شَامِيٌّ مُوَثَّقٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَسَمَّى الْمَرْأَةَ كَشْتًا بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ، وَالرَّجُلُ زِمْرِي بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ رَأْسُ سِبْطٍ شَمْعُونَ، وَسُمِّيَ الَّذِي طَعَنَهُمَا فِنْحَاصَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ ابْنُ هَارُونَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَحُسِبَ مَنْ هَلَكَ مِنَ الطَّاعُونِ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ: عِشْرُونَ أَلْفًا. وَهَذِهِ الطَّرِيقُ تُعَضِّدُ الْأُولَى. وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا عِيَاضٌ فَقَالَ: قَوْلُهُ: أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قِيلَ: مَاتَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: سَبْعُونَ أَلْفًا. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَا أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَثُرَ عِصْيَانُهُمْ، فَخَيِّرْهُمْ بَيْنَ ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ أَبْتَلِيَهُمْ بِالْقَحْطِ، أَوِ الْعَدُوِّ شَهْرَيْنِ، أَوِ الطَّاعُونِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالُوا: اخْتَرْ لَنَا. فَاخْتَارَ الطَّاعُونَ. فَمَاتَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ زَالَتِ الشَّمْسُ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: مِائَةُ أَلْفٍ. فَتَضَرَّعَ دَاوُدُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَرَفَعَهُ. وَوَرَدَ وُقُوعُ الطَّاعُونِ فِي غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَذْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَبْشًا، ثُمَّ لْيُخَضِّبْ كَفَّهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ لْيَضْرِبْ بِهِ عَلَى بَابِهِ. فَفَعَلُوا.
فَسَأَلَهُمُ الْقِبْطُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُ عَلَيْكُمْ عَذَابًا وَإِنَّمَا نَنْجُو مِنْهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ. فَأَصْبَحُوا وَقَدْ مَاتَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ لِمُوسَى: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ الْآيَةَ، فَدَعَا فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ﴾ الْمَوْتِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute