تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
٤٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ قال: سألت أَبَا وَائِلٍ عَنْ الْمُرْجِئَةِ فَقال: حدثنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.
[الحديث ٤٨ - طرفاه في: ٧٠٧٦، ٦٠٤٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ، وهو لَا يَشْعُرُ) هَذَا الْبَابُ مَعْقُودٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مَا مَضَى مِنَ الْأَبْوَابِ قَدْ تَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ قَدْ يَشْرَكُهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، بِخِلَافِ هَذَا. وَالْمُرْجِئَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا يَاءٌ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا بِلَا هَمْزٍ نُسِبُوا إِلَى الْإِرْجَاءِ، وهو التَّأْخِيرُ ; لِأَنَّهُمْ أَخَّرُوا الْأَعْمَالَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالُوا: الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُهُمُ النُّطْقَ، وَجَعَلُوا لِلْعُصَاةِ اسْمَ الْإِيمَانِ عَلَى الْكَمَالِ وَقَالُوا: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ أَصْلًا، وَمَقَالَاتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَمُنَاسَبَةُ إِيرَادِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ مَظِنَّةٌ لِأَنْ يُقْصَدَ بِهَا مُرَاعَاةُ أَهْلِهَا أَوْ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَجْرَ الْمَوْعُودَ بِهِ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ صَنَعَ ذَلِكَ احْتِسَابًا أَيْ: خَالِصًا، فَعَقَّبَهُ بِمَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلْمَرْءِ مَا يُعَكِّرُ عَلَى قَصْدِهِ الْخَالِصِ فَيُحْرَمَ بِهِ الثَّوَابُ الْمَوْعُودُ، وهو لَا يَشْعُرُ. فَقَوْلُهُ: أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ أَيْ: يُحْرَمُ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُثَابُ إِلَّا عَلَى مَا أَخْلَصَ فِيهِ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُقَوِّي مَذْهَبَ الْإِحْبَاطِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ السَّيِّئَاتِ يُبْطِلْنَ الْحَسَنَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: الْقَوْلُ الْفَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِحْبَاطَ إِحْبَاطَانِ: أَحَدُهُمَا إِبْطَالُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ وَإِذْهَابُهُ جُمْلَةً كَإِحْبَاطِ الْإِيمَانِ لِلْكُفْرِ وَالْكُفْرِ لِلْإِيمَانِ، وَذَلِكَ فِي الْجِهَتَيْنِ إِذْهَابٌ حَقِيقِيٌّ.
ثَانِيهُمَا إِحْبَاطُ الْمُوَازَنَةِ إِذَا جُعِلَتِ الْحَسَنَاتُ فِي كِفَّةٍ وَالسَّيِّئَاتُ فِي كِفَّةٍ، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ نَجَا، وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ وُقِفَ فِي الْمَشِيئَةِ: إِمَّا أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعَذَّبَ. فَالتَّوْقِيفُ إِبْطَالٌ مَا ; لِأَنَّ تَوْقِيفَ الْمَنْفَعَةِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا إِبْطَالٌ لَهَا، وَالتَّعْذِيبُ إِبْطَالٌ أَشَدُّ مِنْهُ إِلَى حِينَ الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِبْطَالٌ نِسْبِيٌّ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِحْبَاطِ مَجَازًا، وَلَيْسَ هُوَ إِحْبَاطٌ حَقِيقَةً، لِأَنَّهُ إِذَا أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ عَادَ إِلَيْهِ ثَوَابُ عَمَلِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْإِحْبَاطِيَّةِ الَّذِينَ سَوَّوْا بَيْنَ الْإِحْبَاطَيْنِ وَحَكَمُوا عَلَى الْعَاصِي بِحُكْمِ الْكَافِرِ، وَهُمْ مُعْظَمُ الْقَدَرِيَّةِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ) هُوَ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ وَعُبَّادِهِمْ، وَقَوْلُهُ: مُكَذَّبًا يُرْوَى بِفَتْحِ الذَّالِ يَعْنِي خَشِيتُ أَنْ يُكَذِّبَنِي مَنْ رَأَى عَمَلِي مُخَالِفًا لِقَوْلِي فَيَقُولُ: لَوْ كُنْتَ صَادِقًا مَا فَعَلْتَ خِلَافَ مَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَعِظُ النَّاسَ. وَيُرْوَى بِكَسْرِ الذَّالِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَعَ وَعْظِهِ النَّاسَ لَمْ يَبْلُغْ غَايَةَ الْعَمَلِ. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَصَّرَ فِي الْعَمَلِ فَقَالَ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا أَيْ: مُشَابِهًا لِلْمُكَذِّبِين، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الزُّهْدِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. . . إِلَخْ) هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ، لَكِنْ أَبْهَمَ الْعَدَدَ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ، وَعَيَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا كَمَا هُنَا، وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ أَجَلِّهِمْ عَائِشَةُ وَأُخْتُهَا أَسْمَاءُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَالْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute