للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَكِنْ قَالَ: إِنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْكُتُبَ قَالُوا: هَذَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَخْفَاهُ مِنَّا.

وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي ابْتُلِيَ فِيهَا سُلَيْمَانُ، فَكَتَبَتْ كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ، ثُمَّ دَفَنَتْهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْدَهُ فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ، وَمُلَخَّصُ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، إِذْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ إِيضَاحُ ذَلِكَ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ مَوْصُولَةٌ عَلَى الصَّوَابِ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَافِيَةٌ لِأَنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ يَأْبَاهُ، وَتَتْلُو لَفْظُهُ مُضَارِعٌ لَكِنْ هُوَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَاضِي وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ، وَمَعْنَى تَتْلُو تَتَقَوَّلُ، وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَتْبَعُ أَوْ تَقْرَأُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ قِيلَ هُوَ تَقْرَأُ عَلَى زَمَانِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ مَا نَافِيَةٌ جَزْمًا، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ هَذِهِ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ لِجُمْلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَقَوْلُهُ: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ النَّاسُ، مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَالسِّحْرُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَفَرُوا، أَيْ كَفَرُوا مُعَلِّمِينَ، وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ كَفَرُوا، وَقِيلَ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَهَذَا عَلَى إِعَادَةِ ضَمِيرِ يَعْلَمُونَ عَلَى الشَّيَاطِينِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الَّذِينَ اتَّبَعُوا فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ اتَّبَعُوا أَوِ اسْتِئْنَافًا، وَقَوْلُهُ: وَمَا أُنْزِلَ، مَا مَوْصُولَةٌ وَمَحَلُّهَا النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى السِّحْرِ، وَالتَّقْدِيرُ:

يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، وَالْمُنْزَلُ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَقِيلَ: الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، أَيْ: تَقَوُّلًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَعَلَى مَا أُنْزِلَ، وقِيلَ: بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ عَطْفًا، عَلَى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ وَالْمَعْنَى: وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْمَلَكَيْنِ إِبَاحَةُ السِّحْرِ. وَهَذَانِ الْإِعْرَابَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَنِ الْبَعْضِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَرَدَّ الزَّجَّاجُ عَلَى الْأَخْفَشِ دَعْوَاهُ أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَقَالَ: الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَوْلَى.

وَقَوْلُهُ: بِبَابِلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا أُنْزِلَ أَيْ فِي بَابِلَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ لَامِ الْمَلَكَيْنِ، وَقُرِئَ بِكَسْرِهَا، وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ بَدَلٌ مِنَ الْمَلَكَيْنِ وَجُرَّا بِالْفَتْحَةِ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَقِيلَ: بَلْ هُمَا بَدَلٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيَاطِينِ عَلَى أَنَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ اسْمَانِ لِقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ، وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِسُكُونِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعْلَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّضْعِيفَ يَتَعَاقَبُ مَعَ الْهَمْزَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ بَلْ يُعْلِمَانِهِمْ بِهِ وَيَنْهَيَانِهِمْ عَنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: الْمَلَكَانِ يُعَلِّمَانِ تَعْلِيمَ إِنْذَارٍ لَا تَعْلِيمُ طَلَبٍ، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَمُتَعَلِّمَهُ كَافِرٌ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا وَهُوَ التَّعَبُّدُ لِلشَّيَاطِينِ أَوْ لِلْكَوَاكِبِ، وَأَمَّا النَّوْعُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الشَّعْوَذَةِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ مَنْ تَعَلَّمَهُ أَصْلًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ عَدَّهُ النَّبِيُّ Object مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُفْرًا، وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً، فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلَا يُقْتَلُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عُزِّرَ.

وَعَنْ مَالِكٍ: السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ، بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ كَالزِّنْدِيقِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اهـ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَتَفَاصِيلُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا. وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَعَلُّمَ السِّحْرِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا لِتَمْيِيزِ مَا فِيهِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَإِمَّا لِإِزَالَتِهِ عَمَّنْ وَقَعَ فِيهِ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ فَإِذَا سَلِمَ الِاعْتِقَادُ فَمَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ مَنْعًا، كَمَنْ يَعْرِفُ كَيْفِيَّةَ عِبَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لِلْأَوْثَانِ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ مَا يَعْمَلُهُ السَّاحِرُ إِنَّمَا هِيَ