لِنَفْسِهِ عَلَى رَأْي مَنْ يُجِيزُهُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا) كَذَا وَقَعَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، وَكَذَا عَلَّقَهُ الْمُصَنِّفُ لِعِيسَى بْنِ يُونُسَ فِي الدَّعَوَاتِ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مِنْ قَوْلِهَا: عِنْدِي أَيْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَغِلًا بِي بَلِ اشْتَغَلَ بِالدُّعَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّخَيُّلِ، أَيْ كَانَ السِّحْرُ أَضَرَّهُ فِي بَدَنِهِ لَا فِي عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ، وَدَعَا عَلَى الْوَضْعِ الصَّحِيحِ وَالْقَانُونِ الْمُسْتَقِيمِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَدَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا، وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ الدُّعَاءَ ثَلَاثًا. وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ سَعْدٍ: فَرَأَيْتُهُ يَدْعُو. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَاتِ وَتَكْرِيرُهُ والِالْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِي دَفْعِ ذَلِكَ. قُلْتُ: سَلَكَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَسْلَكَيِ التَّفْوِيضِ وَتَعَاطِي الْأَسْبَابِ؛ فَفِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَوَّضَ وَسَلَّمَ لِأَمْرِ رَبِّهِ فَاحْتَسَبَ الْأَجْرَ فِي صَبْرِهِ عَلَى بَلَائِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَمَادَى ذَلِكَ وَخَشِيَ مِنْ تَمَادِيهِ أَنْ يُضْعِفَهُ عَنْ فُنُونِ عِبَادَتِهِ جَنَحَ إِلَى التَّدَاوِي ثُمَّ إِلَى الدُّعَاءِ، وَكُلٌّ مِنَ الْمَقَامَيْنِ غَايَةٌ فِي الْكَمَالِ.
قَوْلُهُ: (أُشْعِرْتُ) أَيْ عَلِمْتُ؟ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: أَفْتَانِي فِي أَمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَيْ أَجَابَنِي فِيمَا دَعَوْتُهُ، فَأَطْلَقَ عَلَى الدُّعَاءِ اسْتِفْتَاءً لِأَنَّ الدَّاعِيَ طَالِبٌ وَالْمُجِيبَ مُفْتٍ، أَوِ الْمَعْنَى أَجَابَنِي بِمَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، لِأَنَّ دُعَاءَهُ كَانَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ عَلَى حَقِيقَةِ مَا هُوَ فِيهِ لِمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْبَأَنِي بِمَرَضِي أَيْ أَخْبَرَنِي.
قَوْلُهُ: (أَتَانِي رَجُلَانِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَتَانِي رَجُلَانِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُرْجَأِ بْنِ رَجَاءٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ: أَتَانِي مَلَكَانِ، وَسَمَّاهُمَا ابْنُ سَعْدٍ فِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَكُنْتُ ذَكَرْتُ فِي الْمُقَدِّمَةِ ذَلِكَ احْتِمَالًا.
قَوْلُهُ: (فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي) لَمْ يَقَعْ لِي أَيُّهُمَا قَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، لَكِنَّنِي أَظُنُّهُ جِبْرِيلَ لِخُصُوصِيَّتِهِ بِهِ ﵉. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي السِّيرَةِ لِلدِّمْيَاطِيِّ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ جِبْرِيلُ قَالَ: لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ سَعْدٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: سَحَرَ النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا، فَدَلَّ مَجْمُوعُ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّ الْمَسْئُولَ هُوَ جِبْرِيلُ وَالسَّائِلُ مِيكَائِيلُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلِي لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي وَكَأَنَّهَا أَصْوَبُ، وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ. وَوَقَعَ بِالشَّكِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (مَا وَجَعُ الرَّجُلِ)؟ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: مَا تَرَى، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمَنَامِ، إِذْ لَوْ جَاءَا إِلَيْهِ فِي الْيَقِظَةِ لَخَاطَبَاهُ وَسَأَلَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِصِفَةِ النَّائِمِ وَهُوَ يَقْظَانُ، فَتَخَاطَبَا وَهُوَ يَسْمَعُ. وَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ ذَاتَ يَوْمٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابن سَعْدٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا: فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ وَهُوَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: مَطْبُوبٌ) أَيْ مَسْحُورٌ، يُقَالُ: طُبَّ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ إِذَا سُحِرَ، يُقَالُ: كَنَّوْا عَنِ السِّحْرِ بِالطِّبِّ تَفَاؤُلًا كَمَا قَالُوا لِلَّدِيغِ سُلَيْمٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الطِّبُّ مِنَ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ لِعِلَاجِ الدَّاءِ: طِبٌّ، وَالسِّحْرُ مِنَ الدَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ: طِبٌّ، وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى رَأْسِهِ بِقَرْنٍ حِينَ طُبَّ،