للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ، كَانَ مُنَافِقًا، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ، قَالَتْ فَقُلْتُ: أَفَلَا - أَيْ تَنَشَّرْتَ -؟ فَقَالَ: أَمَّا واللَّه فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ شَرًّا.

قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يُسْتَخْرَجُ السِّحْرُ)؟ كَذَا أَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ بِالِاسْتِفْهَامِ إِشَارَةً إِلَى الِاخْتِلَافِ، وَصَدَّرَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مِنَ الْجَوَازِ إِشَارَةً إِلَى تَرْجِيحِهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ الْعَطَّارِ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ يَلْتَمِسُ مَنْ يُدَاوِيهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَمَّا يَضُرُّ وَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا إِذَا كَانَ بِالرَّجُلِ سِحْرٌ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى مَنْ يُطْلِقُ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ صَلَاحٌ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا سَاحِرٌ، قَالَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَمَّا يَضُرُّ وَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الْحَسَنِ رَفَعَهُ النُّشْرَةُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: النُّشْرَةُ حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ، وَلَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ السِّحْرَ. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ يُطْلِقُ السِّحْرَ عَنِ الْمَسْحُورِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَيُجَابُ عَنِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: النُّشْرَةُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِشَارَةٌ إِلَى أَصْلِهَا، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِالْقَصْدِ، فَمَنْ قَصَدَ بِهَا خَيْرًا كَانَ خَيْرًا وَإِلَّا فَهُوَ شَرٌّ. ثُمَّ الْحَصْرُ الْمَنْقُولُ عَنِ الْحَسَنِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْحَلُّ بِالرُّقَى وَالْأَدْعِيَةِ وَالتَّعْوِيذِ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النُّشْرَةُ نَوْعَيْنِ.

قَوْلُهُ: (بِهِ طِبٌّ) بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ سِحر، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يُؤْخَذُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَهْمُوزٌ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ أَيْ يُحْبَسُ عَنِ امْرَأَتِهِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى جِمَاعِهَا، وَالْأُخْذَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ هِيَ الْكَلَامُ الَّذِي يَقُولُهُ السَّاحِرُ، وَقِيلَ: خرَزَةٌ يُرْقَى عَلَيْهَا، أَوْ هِيَ الرُّقْيَةُ نَفْسُهَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ يُحَلُّ عَنْهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يُنَشَّرُ) بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ النُّشْرَةِ بِالضَّمِّ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْعِلَاجِ يُعَالَجُ بِهِ مَنْ يُظَنُّ أَنَّ بِهِ سِحْرًا أَوْ مَسًّا مِنَ الْجِنِّ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُكْشَفُ بِهَا عَنْهُ مَا خَالَطَهُ مِنَ الدَّاءِ، وَيُوَافِقُ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرُّقْيَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ، وَيُؤَيِّدُ مَشْرُوعِيَّةَ النُّشْرَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ: الْعَيْنُ حَقٌّ، فِي قِصَّةِ اغْتِسَالِ الْعَائِنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي إِذَا وُطِئَتْ لَا تَضُرُّهُ، وَهِيَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ فِي مَوْضِعِ عِضَاهُ فَيَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَدُقُّهُ وَيَقْرَأُ فِيهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ فِي كُتُبِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنْ يَأْخُذَ سَبْعَ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ أَخْضَرَ فَيَدُقُّهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِالْمَاءِ، وَيَقْرَأُ فِيهِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْقَوَافِلَ ثُمَّ يَحْسُوُ مِنْهُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ كُلَّ مَا بِهِ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ إِذَا حُبِسَ عَنْ أَهْلِهِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ النُّشْرَةِ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى صِفَةِ النُّشْرَةِ فِي كِتَابِ