بْنِ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ بِهِ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ قَتَادَةَ مِنَ النَّضْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِخْبَارُ الصَّحَابِيِّ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبٍ: الْأُولَى أَنْ يَأْتِيَ بِالصِّيغَةِ كَقَوْلِهِ: افْعَلُوا أَوْ لَا تَفْعَلُوا، الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَذَا وَنَهَانَا عَنْ كَذَا وَهُوَ كَالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فِي الْعَمَلِ بِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا، وَإِنَّمَا نَزَلَ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ أَمْرًا، إِلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَرْجُوحٌ لِلْعِلْمِ بِعَدَالَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ لُغَةً. الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ أُمِرْنَا وَنُهِينَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهِيَ كَالثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالنَّهْيُ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوِ التَّخَتُّمِ بِهِ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، فَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ ﷺ حِلْيَةً فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذُوهُ وَإِنَّهُ لَمُعْرِضٌ عَنْهُ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ بِنْتَ ابْنَتِهِ فَقَالَ: تَحَلَّيْ بِهِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْر بْنِ حَزْمٍ مِنْ تَخَتُّمِهِ بِالذَّهَبِ فَشُذُوذٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ فِيهِ فَالنَّاسُ بَعْدَهُ مُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ خَبَّابٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمَا آنَ لِهَذَا الْخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ عَلَيَّ بَعْدَ الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ مَا كَانَ بَلَغَهُ النَّهْيُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ رَجَعَ. قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ لُبْسَهُ لِلرِّجَالِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحَرِيرِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْخِلَافِ فِي التَّحْرِيمِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ الْقَوْلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ وَصْفِ كَوْنِهِ خَاتَمًا.
قُلْتُ: التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ انْقَرَضَ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ، مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَصُهَيْبٍ وَذَكَرَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَنْ عبَدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ نَحْوَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ نَزَعْنَا مِنْ يَدَيْ أُسَيْدٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَأَغْرَبُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنِ الْبَرَاءِ الَّذِي رَوَى النَّهْيَ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَعَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوُهُ أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَسْمًا فَأَلْبَسَنِيهِ، فَقَالَ: الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ الْحَازِمِيُّ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، قُلْتُ: لَوْ ثَبَتَ النَّسْخُ عِنْدَ الْبَرَاءِ مَا لَبِسَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ النَّهْيِ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ عَنْهُ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَتِهِ وَفِعْلِهِ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَلَى التَّنْزِيهِ أَوْ فَهِمَ الْخُصُوصِيَّةَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ: الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْحَازِمِيِّ: لَعَلَّ الْبَرَاءَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ.
وَيُؤَيِّد الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِلْبَرَاءِ لِمَ تَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَيَذْكُرُ لَهُمُ هذا الْحَدِيثَ ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَضَعَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمِنْ أَدِلَّةِ النَّهْيِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ جَلَسَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ بِقَضِيبٍ فَقَالَ: أَلْقِ هَذَا وَعُمُومُ الْأَحَادِيثِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا فِي بَابِ لُبْسِ الْحَرِيرِ حَيْثُ قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ: هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى رِجَالِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ: مَنْ مَاتَ مِنَ أُمَّتِي وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute