اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الْأَبْصَارِ.
[الحديث ٥٩٢٤ - طرفاه في: ٦٢٤١، ٦٩٠١]
قَوْلُهُ: (بَابُ الِامْتِشَاطِ) هُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْمَشْطِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ بِالْمُشْطِ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ ﷺ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُمَشِّطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَنْهَى عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِإِصْلَاحِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحُ السَّنَدِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَسَأَذْكُرُ طُرُقَ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي بَابِ التَّرَجُّلِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ، وَسَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا) قِيلَ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَالِدُ مَرْوَانَ، وَقِيلَ سَعْدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَسَأُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَقَوْلُهُ: اطَّلَعَ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ، وَالْحْجرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمِدْرَى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ عُودٌ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي رَأْسِهَا لِتَضُمَّ بَعْضَ شَعْرِهَا إِلَى بَعْضٍ وَهُوَ يُشْبِهُ الْمِسَلَّةَ يُقَالُ مَدِرَتِ الْمَرْأَةُ سَرَّحَتْ شَعْرَهَا، وَقِيلَ مُشْطٌ لَهُ أَسْنَانٌ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الْمُشْطُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصْلُ الْمِدْرَى الْقَرْنُ وَكَذَلِكَ الْمِدْرَاةُ، وَقِيلَ هُوَ عُودٌ أَوْ حَدِيدَةٌ كَالْخِلَالِ لَهَا رَأْسٌ مُحَدَّدٌ، وَقِيلَ خَشَبَةٌ عَلَى شَكْلِ شَيْءٍ مِنْ أَسْنَانِ الْمُشْطِ وَلَهَا سَاعِدٌ جَرَتْ عَادَةُ الْكَبِيرِ أَنْ يَحُكَّ بِهَا مَا لَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدُهُ مِنْ جَسَدِهِ، وَيُسَرِّحُ بِهَا الشَّعْرَ الْمُلَبَّدَ مَنْ لَا يَحْضُرُهُ الْمُشْطُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِعَائِشَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِدْرَى غَيْرُ الْمُشْطِ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْهَا قَالَتْ: خَمْسٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ: الْمِرْآةُ وَالْمُكْحُلَةُ وَالْمُشْطُ وَالْمِدْرَى وَالسِّوَاكُ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَقْوَى مِنْ هَذَا لَكِنْ فِيهِ قَارُورَةُ دُهْنٍ بَدَلَ الْمِدْرَى، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ لَا يُفَارِقُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سِوَاكَهُ وَمُشْطَهُ، وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ إِذَا سَرَّحَ لِحْيَتَهُ وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ مُرْسَلِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ: الْمِدْرَى تُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ يُتَّخَذُ مِنْ آبِنُوسٍ أَوْ عَاجٍ أَوْ حَدِيدٍ يَكُونُ طُولُ الْمِسَلَّةِ يُتَّخَذُ لِفَرْقِ الشَّعْرِ فَقَطْ وَهُوَ مُسْتَدِيرُ الرَّأْسِ عَلَى هَيْئَةِ نَصْلِ السَّيْفِ بِقَبْضَةٍ وَهَذِهِ صِفَتُهُ.
ثَانِيهُمَا كَبِيرٌ وَهُوَ عُودٌ مَخْرُوطٌ مِنْ أَبَنُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي رَأْسِهِ قِطْعَةٌ مَنْحُوتَةٌ فِي قَدْرِ الْكَفِّ وَلَهَا مِثْلُ الْأَصَابِعِ أُولَاهُنَّ مُعْوَجَّةٌ مِثْلَ حَلْقَةِ الْإِبْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلتَّسْرِيحِ وَيَحُكُّ الرَّأْسَ وَالْجَسَدَ وَهَذِهِ صِفَتُهُ: اهـ مُلَخَّصًا.
قَوْل هُ: (تَنْتَظِرُ) كَذَا لَهُمْ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ تَنْظُرُ وَهِيَ أَوْلَى، وَالْأُخْرَى بِمَعْنَاهَا، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَطَّلِعُ عَلَيَّ، وَقَوْلُهُ: مِنْ قِبَلٍ، بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةٍ، وَالْأَبْصَارُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ جَمْعُ بَصَرٍ وَبِكَسْرِهِ مَصْدَرُ أَبْصَرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ أَجْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute