اهْتِمَامًا بِالزَّجْرِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ ; لِأَنَّ الْوَعِيدَ إِذَا حَصَلَ لِصَانِعِهَا فَهُوَ حَاصِلٌ لِمُسْتَعْمِلِهَا ; لِأَنَّهَا لَا تُصْنَعُ إِلَّا لِتُسْتَعْمَلَ فَالصَّانِعُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُسْتَعْمِلُ مُبَاشِرٌ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْوَعِيدِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ لَهَا ظِلٌّ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَدْهُونَةً أَوْ مَنْقُوشَةً أَوْ مَنْقُورَةً أَوْ مَنْسُوجَةً، خِلَافًا لِمَنِ اسْتَثْنَى النَّسْجَ وَادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَصْوِيرٍ، وَظَاهِرُ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ التعارض لأن الذي قبله يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ﷺ اسْتَعْمَلَ السِّتْرَ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ بَعْدَ أَنْ قُطِعَ وَعُمِلَتْ مِنْهُ الْوِسَادَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَصْلًا، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ اتِّخَاذِ مَا يُوطَأُ مِنَ الصُّوَرِ جَوَازُ الْقُعُودِ عَلَى الصُّورَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعْمَلَ مِنَ الْوِسَادَةِ مَا لَا صُورَةَ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاتِّكَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّهَا لَمَّا قَطَعَتِ السِّتْرَ وَقَعَ الْقَطْعُ فِي وَسَطِ الصُّورَةِ مَثَلًا فَخَرَجَتْ عَنْ
هَيْئَتِهَا فَلِهَذَا صَارَ يَرْتَفِقُ بِهَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فِي نَقْضِ الصُّوَرِ وَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُخَرَّجُ فِي السُّنَنِ، وَسَأَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ. وَسَلَكَ الدَّاوُدِيُّ فِي الْجَمْعِ مَسْلَكًا آخَرَ فَادَّعَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ نَاسِخٌ لِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ فَيَكُونُ هُوَ النَّاسِخُ. قُلْتُ: وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلَا يُلْتَفَتُ لِدَعْوَى النَّسْخِ، وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ فَرَدَّهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ الْخَبَرَ إِذَا قَارَنَهُ الْأَمْرُ جَازَ دُخُولُ النَّسْخِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ بُكَيْرٍ) بِالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ، وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ اللَّيْثِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ، وَقَدْ مَضَتْ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) هُوَ الْجُهَنِيُّ الصَّحَابِيُّ، فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو أَيْضًا أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ حَدَّثَهُ وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ الَّذِي كَانَ فِي حِجْرِ مَيْمُونَةَ.
قَوْلُهُ: (أَبِي طَلْحَةَ) هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ، وَفِي الْإِسْنَادِ تَابِعِيَّانِ فِي نَسَقٍ وَصَحَابِيَّانِ فِي نَسَقٍ، وَعَلَى رِوَايَةِ بُسْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ لِلزِّيَادَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا يَكُونُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَكُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ صُورَةٌ) كَذَا لِكَرِيمَةَ وَغَيْرِهَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ مَشَايِخِهِ إِلَّا الْمُسْتَمْلِي صُوَرٌ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ وَهِيَ تُقَوِّي رِوَايَةَ أَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ) أَيِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ كَمَا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْأَسْوَدِ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَسَدٍ، وَيُقَالُ لَهُ: رَبِيبُ مَيْمُونَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ رَبَّتْهُ، وَكَانَ مِنْ مَوَالِيهَا، وَلَمْ يَكُنِ ابْنَ زَوْجِهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عُثْمَانَ.
قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْأَوَّلِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَوْمَ أَوَّلٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ) فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ، أَلَا سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو بْنُ الْحَارِثِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَصَلَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِي رِوَايَتِهِ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ نَعُودُهُ فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ نُمْرُقَتَيْنِ فِيهِمَا تَصَاوِيرُ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَلَيْسَ حَديثنا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ زَيْدٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِثْنَاءِ الرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ مَا كَانَتِ