للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِضْمَارِ فِعْلٍ. وَوَقَعَ صَرِيحًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا وَقَعَ تَكْرَارُ الْأُمِّ ثَلَاثًا وَذِكْرُ الْأَبِ فِي الرَّابِعَةِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَلَفْظُهُ ثُمَّ عَادَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: بِرَّ أَبَاكَ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ خِدَاشٍ أَبِي سَلَامَةَ رَفَعَهُ أُوصِي امْرَءًا بِأُمِّهِ، أُوصِي امْرَءًا بِأُمِّهِ، أُوصِي امْرَءًا بِأُمِّهِ، أُوصِي امْرَءًا بِأَبِيهِ، أُوصِي امْرَءًا بِمَوْلَاهُ الَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ أَذًى يُؤْذِيهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ مَا لِلْأَبِ مِنَ الْبِرِّ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْلِ ثُمَّ الْوَضْعِ ثُمَّ الرَّضَاعِ، فَهَذِهِ تَنْفَرِدُ بِه الْأُمُّ وَتَشْقَى بِهَا، ثُمَّ تُشَارِكُ الْأَبَ فِي التَّرْبِيَةِ. وَقَدْ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوِصَايَةِ، وَخَصَّ الْأُمَّ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّ الْأُمَّ تَسْتَحِقُّ عَلَى الْوَلَدِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنَ الْبِرِّ، وَتُقَدَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقِّ الْأَبِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ: وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْأُمَّ تَفْضُلُ الْبِرِّ عَلَى الْأَبِ، وَقِيلَ: يَكُونُ بِرُّهُمَا سَوَاءً، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: إِلَى الثَّانِي ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَفْضِيلِ الْأُمِّ فِي الْبِرِّ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ طَلَبَنِي أَبِي فَمَنَعَتْنِي أُمِّي، قَالَ: أَطِعْ أَبَاكَ وَلَا تَعْصِ أُمَّكَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى بِرَّهُمَا سَوَاءً، كَذَا قَالَ. وَلَيْسَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ بِوَاضِحَةٍ، قَالَ: وَسُئِلَ اللَّيْثُ يَعْنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَقَالَ: أَطِعْ أُمَّكَ فَإِنَّ لَهَا ثُلُثَيِ الْبِرِّ، وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي لَمْ يَتَكَرَّرْ ذِكْرُ الْأُمِّ فِيهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ.

وَقَدْ وَقْعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الْبَابِ، وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا وقع فِي آخِرِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ ثُمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي رِمْثَةَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةً انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ، ثُمَّ أُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ هَكَذَا، وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَأَحْمَدَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْمُرَادُ بِالدُّنُوِّ الْقُرْبُ إِلَى الْبَارِّ. قَالَ عِيَاضٌ: تَرَدَّدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَدِّ وَالْأَخِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْجَدِّ. قُلْتُ: وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ، قَالُوا: يُقَدَّمُ الْجَدُّ ثُمَّ الْأَخُ، ثُمَّ يُقَدَّمُ مَنْ أَدْلَى بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِوَاحِدٍ، ثُمَّ تُقَدَّمُ الْقَرَابَةُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمُ الْمَحَارِمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَاتِ، ثُمَّ الْمُصَاهَرَةُ ثُمَّ الْوَلَاءُ، ثُمَّ الْجَارُ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدُ.

وَأَشَارَ ابْنُ بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ إِيصَالُ الْبِرِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهُوَ وَاضِحٌ، وَجَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْأُمِّ فِي الْبِرِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: زَوْجُهَا. قُلْتُ: فَعَلَى الرَّجُلِ؟ قَالَ: أُمُّهُ وَيؤَيِّدُ تَقْدِيمِ الْأُمِّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي كَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَأَبُو دَاوُدَ. فَتَوَصَّلَتْ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِاخْتِصَاصِهِ بِهَا فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَهُ) أَمَّا ابْنُ شُبْرُمَةَ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ