للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٦٠١٤ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يوصيني بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.

٦٠١٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قال رسول الله : "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ".

قَوْلُهُ: (بَابُ الْوَصَاةِ بِالْجَارِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْمَدِّ لُغَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا الْوِصَايَةُ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءٌ وَهُمَا بِمَعْنًى، لَكِنَّ الْأَوَّلَ مِنْ أَوْصَيْتُ وَالثَّانِي مِنْ وَصَّيْتُ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ هُنَا بَسْمَلَةٌ وَبَعْدَهَا كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا، وَيُؤَيِّدُ مَا عِنْدَنَا أَنَّ أَحَادِيثَ صِلَةِ الرَّحِمِ تَقَدَّمَتْ وَأَحَادِيثَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ قَبْلَهَا وَالْوَصِيَّةُ بِالْجَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ذُكِرَتْ هُنَا، وَتَلَاهَا بَاقِي أَبْوَابِ الْأَدَبِ، وَقَوْلُهُ هُنَا بَعْدَ الْبَابِ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَوَّبَ عَلَى تَرْتِيبِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَبَدَأَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَثَنَّى بِذِي الْقُرْبَى وَثَلَّثَ بِالْجَارِ وَرَبَّعَ بِالصَّاحِبِ. وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلَا أَبِي نُعَيْمٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الْآيَةَ)، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِحْسَانًا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مُخْتَالا فَخُورًا﴾ وَلِلنَّسَفِيِّ وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ وَثَبَتَ لِلنَّسَفِيِّ الْبَسْمَلَةَ قَبْلَ الْبَابِ وَكَأَنَّهُ لِلِانْتِقَالِ إِلَى نَوْعٍ غَيْرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَرَأَيْتُ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ كِتَابَ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ، وَالْجَارُ الْقَرِيبُ مَنْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةَ وَالْجَارُ الْجُنُبِ بِخِلَافِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ الْجَارُ الْقَرِيبُ الْمُسْلِمُ وَالْجَارُ الْجُنُبُ غَيْرُهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرِيُّ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ أَحَدُ التَّابِعِينَ، وَقِيلَ: الْجَارُ الْقَرِيبُ الْمَرْأَةُ وَالْجُنُبُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَيْنِ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.

قَوْلُهُ: (أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ) أَيِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَمْرَةُ هِيَ أُمُّهُ، وَالسَّنَدُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ، وَقَدْ سَمِعَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ عَمْرَةَ كَثِيرًا وَرُبَّمَا دَخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً مِثْلَ هَذَا، وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ مِنَ الْأَقْرَانِ.

قَوْلُهُ: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)، أَيْ يَأْمُرُ عَنِ اللَّهِ بِتَوْرِيثِ الْجَارِ مِنْ جَارِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا التَّوْرِيثِ فَقِيلَ: يَجْعَلُ لَهُ مُشَارَكَةً فِي الْمَالِ بِفَرْضِ سَهْمٍ يُعْطَاهُ مَعَ الْأَقَارِبِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَرِثُ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ الثَّانِي اسْتَمَرَّ، وَالْخَبَرُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ التَّوْرِيثَ لَمْ يَقَعْ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَجْعَلُ لَهُ مِيرَاثًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْمِيرَاثُ عَلَى قِسْمَيْنِ حِسِّيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ، فَالْحِسِّيُّ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالْمَعْنَوِيُّ مِيرَاثُ الْعِلْمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُلْحَظَ هُنَا أَيْضًا فَإِنَّ حَقَّ الْجَارِ عَلَى الْجَارِ أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ وَالْأَقْرَبَ دَارًا وَالْأَبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبٌ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَعْلَاهَا مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُوَلُ كُلُّهَا ثُمَّ أَكْثَرُهَا وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى الْوَاحِدِ، وَعَكْسُهُ