للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ.

قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ، وَخَصَّهُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِشَارَةً إِلَى الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، أَيْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَآمَنَ بِأَنَّهُ سَيُجَازِيهِ بِعَمَلِهِ فَلْيَفْعَلِ الْخِصَالَ الْمَذْكُورَاتِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ) فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُ الْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ لِلْجَارِ وَتَرْكِ أَذَاهُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَالْخَرَائِطِيِّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ التَّوْبِيخِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ الْجَارِ عَلَى الْجَارِ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنِ احْتَاجَ أَعْطَيْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِذَا مَاتَ اتَّبَعَتْ جِنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا وَلَا تُخْرِجْ بِهَا وَلَدَكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، وَالسِّيَاقُ أَكْثَرُهُ لِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ. وَفِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ وَإِنْ أَعْوَزَ سَتَرْتَهُ، وَأَسَانِيدُهُمْ وَاهِيَةٌ لَكِنِ اخْتِلَافُ مَخَارِجِهَا يُشْعِرُ بِأَنَّ للْحَدِيثِ أَصْلًا.

ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَيُجْمِعُ الْجَمِيعُ أَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ جَائِزَتُهُ.

قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، الْحَدِيثَ. . وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ بَابًا فِي بَابِ إِكْرَامِ الضَّيْفِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ الْقَوْلَ كُلَّهُ إِمَّا خَيْرٌ وَإِمَّا شَرٌّ وَإِمَّا آيِلُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَدَخَلَ فِي الْخَيْرِ كُلُّ مَطْلُوبٍ مِنَ الْأَقْوَالِ فَرْضُهَا وَنَدْبُهَا، فَأَذِنَ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَدَخَلَ فِيهِ مَا يَؤولُ إِلَيْهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا هُوَ شَرٌّ أَوْ يَئُولُ إِلَى الشَّرِّ فَأَمَرَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْخَوْضِ فِيهِ بِالصَّمْتِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا لِيَغْنَمْ، أَوْ لِيَسْكُتْ عَنْ شَرٍّ لِيَسْلَمْ، وَاشْتَمَلَ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ تَجْمَعُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ الْفِعْلِيَّةَ وَالْقَوْلِيَّةَ، أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَمِنَ الْفِعْلِيَّةِ، وَأَوَّلُهُمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَمْرِ بِالتَّخَلِّي عَنِ الرَّذِيلَةِ وَالثَّانِي يَرْجِعُ إِلَى الْأَمْرِ بِالتَّحَلِّي بِالْفَضِيلَةِ، وَحَاصِلُهُ مَنْ كَانَ حَامِلَ الْإِيمَانِ فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ قَوْلًا بِالْخَيْرِ وَسُكُوتًا عَنِ الشَّرِّ وَفِعْلًا لِمَا يَنْفَعُ أَوْ تَرْكًا لِمَا يَضُرُّ، وَفِي مَعْنَى الْأَمْرِ بِالصَّمْتِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمُسْلِمُ مِنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ وَلِسَانِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَذَكَرَ فِيهَا أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ، وَلِأَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ رَفَعَهُ فِي ذِكْرِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْبِرِّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ صَمَتَ نَجَا، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِهِ كَثْرَةُ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تُقَسِّي الْقَلْبَ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكْثَرُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ قَالَ: هَذَا.

وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَذَكَرَ الْوَصِيَّةَ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ الْحَدِيثَ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ