للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

٦٠٢٧ - وَكَانَ النَّبِيُّ جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ تَعَاوُنِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا) بِجَرِّ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَدَلِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ.

قوله سفيان هو الثوري وبريد بن أبي بردة بموحدة وراء مصغر هو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، نسب لجده، وكنية بريد أبو بردة أيضا. وقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان: حدثنا سفيان، حدثني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة. فذكره.

قَوْلُهُ: (الْمُؤْمِنُ للمؤمن كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) اللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، وَالْمُرَادُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْبَعْضِ، وَقَوْلُهُ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّشْبِيهِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: نَصَبَ بَعْضًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هُوَ مَفْعُولُ يَشُدُّ. قُلْتُ: وَلِكُلٍّ وَجْهٌ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَالْمُعَاوَنَةُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مِنَ الدُّنْيَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) هُوَ بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّشْبِيهِ أَيْضًا أَيْ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِثْلَ هَذَا الشَّدِّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي يُرِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي بَيَانِ أَقْوَالِهِ يُمَثِّلُهَا بِحَرَكَاتِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ النَّبِيُّ جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: اشْفَعُوا) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَفِي تَرْكِيبِهِ قَلَقٌ، وَلَعَلَّهُ كان فِي الْأَصْلِ: كَانَ إِذَا كَانَ جَالِسًا إِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَخْ، فَحُذِفَ اخْتِصَارًا أَوْ سَقَطَ عَلَى الرَّاوِيِ لَفْظُ إِذَا كَانَ عَلَى أَنَّنِي تَتَبَّعْتُ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ مِنَ الطُّرُقِ فَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِلَفْظِ جَالِسًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ زُرَيْقٍ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ بِلَفْظِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طَالِبُ الْحَاجَةِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ الْحَدِيثَ، وَهَذَا السِّيَاقُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ سُفْيَانَ مُخْتَصَرًا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا إِلَخْ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَكِنَّهُ جَعَلَهُ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ؛ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنِّي أُوتَى فَأُسْأَلُ أَوْ تُطْلَبُ إِلَيَّ الْحَاجَةُ وَأَنْتُمْ عِنْدِي، فَاشْفَعُوا الْحَدِيثَ.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، وَلَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ : أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ بُرَيْدٍ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ كِلَاهُمَا عَنْ بُرَيْدٍ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ فَذَكَرَهُ.

قَوْلُهُ: (فَلْتُؤْجَرُوا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ تُؤْجَرُوا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَعَ فِي أَصْلِ مُسْلِمٍ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَجَاءَ بِلَفْظِ: فَلْتُؤْجَرُوا، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّامُ مَكْسُورَةً لِأَنَّهَا لَامُ كَيْ، وَتَكُونُ الْفَاءُ زَائِدَةً كَمَا زِيدَتْ فِي حَدِيثِ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ اشْفَعُوا كَيْ تُؤْجَرُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَامُ الْأَمْرِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ التَّعَرُّضُ لِلْأَجْرِ بِالشَّفَاعَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اشْفَعُوا فَتُعَرَّضُوا بِذَلِكَ لِلْأَجْرِ، وَتُكْسَرُ هَذِهِ اللَّامُ عَلَى أَصْلِ لَامِ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا تَخْفِيفًا لِأَجْلِ الْحَرَكَةِ