للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صَاحِبُ الْمَالِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى فَرْضِ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ، وهو حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شُبْرُمَةَ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَأَشَارَ بِهِ إِلَى خِلَافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْحَجَّ عَلَى الصَّوْمِ تَمَسُّكًا بِمَا وَرَدَ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَحْكَامُ) أَيِ: الْمُعَامَلَاتُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الِاحْتِيَاجُ إِلَى الْمُحَاكَمَاتِ فَيَشْمَلُ الْبُيُوعَ وَالْأَنْكِحَةَ وَالْأَقَارِيرَ وَغَيْرَهَا، وَكُلُّ صُورَةٍ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا النِّيَّةُ فَذَاكَ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنِيرَ ضَابِطًا لِمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ فَقَالَ: كُلُّ عَمَلٍ لَا تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ عَاجِلَةٌ بَلِ الْمَقْصُودُ بِهِ طَلَبُ الثَّوَابِ فَالنِّيَّةُ مُشْتَرَطَةٌ فِيهِ، وَكُلُّ عَمَلٍ ظَهَرَتْ فَائِدَتُهُ نَاجِزَةً وَتَعَاطَتْهُ الطَّبِيعَةُ قَبْلَ الشَّرِيعَةِ لِمُلَاءَمَةٍ بَيْنَهُمَا فَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِيهِ إِلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ مَعْنًى آخَرَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ جِهَةِ تَحْقِيقِ مَنَاطِ التَّفْرِقَةِ قَالَ: وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْمَعَانِي الْمَحْضَةِ كَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهَذَا لَا يُقَالُ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ إِلَّا مَنْوِيًّا. وَمَتَى فُرِضَتِ النِّيَّةُ مَفْقُودَةً فِيهِ اسْتَحَالَتْ حَقِيقَتُهُ، فَالنِّيَّةُ فِيهِ شَرْطٌ عَقْلِيٌّ، وَلِذَلِكَ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِلنِّيَّةِ فِرَارًا مِنَ التَّسَلْسُلِ. وَأَمَّا الْأَقْوَالُ فَتَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: أَحَدُهَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ فِرَارًا مِنَ الرِّيَاءِ، وَالثَّانِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ لِغَيْرِ الْمَقْصُودِ، وَالثَّالِثُ قَصْدُ الْإِنْشَاءِ لِيَخْرُجَ سَبْقُ اللِّسَانِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّهُ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لَا عَطْفٌ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ قَالَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ: مَعَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ.

قَوْلُهُ: (عَلَى نِيَّتِهِ) تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِ: (عَلَى شَاكِلَتِهِ) بِحَذْفِ أَدَاةِ التَّفْسِيرِ، وَتَفْسِيرُ الشَّاكِلَةِ بِالنِّيَّةِ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيَّ، وَقَتَادَةَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرِيُّ عَنْهُمْ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الشَّاكِلَةُ الطَّرِيقَةُ أَوِ النَّاحِيَةُ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ الدِّينُ. وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَوَّلُهُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ) كَذَا أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِحَذْفِ إِنَّمَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وهو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَذْكُورُ هُنَا بِإِثْبَاتِهَا، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نُكَتٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلَ الْكِتَابِ.

٥٥ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قال: حدثنا شُعْبَةُ قال: أخبرنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قال: سمعت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ.

٥٦ - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قال: أخبرنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قال: حدثنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي في امْرَأَتِكَ.

قَوْلُهُ: (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ الْخَطْمِيُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وهو صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ رَوَى عَنْ صَحَابِيٍّ أَنْصَارِيٍّ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ أَبِي مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَغَازِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِهِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ: يَحْتَسِبُهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَفَادَ مَنْطُوقُهُ أَنَّ الْأَجْرَ فِي الْإِنْفَاقِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُبَاحَةً، وَأَفَادَ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْصِدِ الْقُرْبَةَ لَمْ يُؤْجَرْ، لَكِنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَأَطْلَقَ الصَّدَقَةَ عَلَى النَّفَقَةِ مَجَازًا وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَجْرُ، وَالْقَرِينَةُ