للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التَّفْسِيرِ، وَابْنُ خَمِيسٍ فِي جُزْءٍ لَهُ مُفْرَدٍ فِي الْغِيبَةِ، وَالْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ آخِرِهِمُ الْكِرْمَانِيُّ، قَالَ: الْغِيبَةُ أَنْ تَتَكَلَّمَ خَلْفَ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُهُ لَوْ سَمِعَهُ وَكَانَ صِدْقًا. قَالَ: وَحُكْمُ الْكِنَايَةِ وَالْإِشَارَةِ مَعَ النِّيَّةِ كَذَلِكَ. وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ جَابِرٍ (١) وَالْحَدِيثُ سِيقَ لِبَيَانِ صِفَتِهَا، وَاكْتُفِيَ بِاسْمِهَا عَلَى ذِكْرِ مَحِلِّهَا. نَعَمِ الْمُوَاجَهَةُ بِمَا ذُكِرَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي السَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مُحَرَّمَتَانِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ.

وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهَا مِنَ الصَّغَائِرِ، وَتَعَقَّبَهُ جَمَاعَةٌ. وَنَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ حَدَّ الْكَبِيرَةِ صَادِقٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا ثَبَتَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِيهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مِنَ الصَّغَائِرِ إِلَّا صَاحِبَ الْعُدَةِ (٢) وَالْغَزَالِيَّ. وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ. وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْإِجْمَاعُ فَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّفْصِيلِ، فَمَنِ اغْتَابَ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ عَالِمًا لَيْسَ كَمَنِ اغْتَابَ مَجْهُولَ الْحَالَةِ مَثَلًا. وَقَدْ قَالُوا: ضَابِطُهَا ذِكْرُ الشَّخْصِ بِمَا يَكْرَهُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يُقَالُ فِيهِ، وَقَدْ يَشْتَدُّ تَأَذِّيهِ بِذَلِكَ وَأَذَى الْمُسْلِمِ مُحَرَّمٌ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ حَدِيثَ أَنَسٍ رَفَعَهُ: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْشُمونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَفَعَهُ: إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: مَنْ أَكَلَ لَحْمَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا قُرِّبَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلْهُ مَيِّتًا كَمَا أَكَلَتْهُ حَيًّا، فَيَأْكُلُهُ وَيَكْلَحُ وَيَصِيحُ. سَنَدُهُ حَسَنٌ.

وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا الْتَقَمَ أَحَدٌ لُقْمَةً شَرًّا مِنَ اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ. . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ وَرَجْمِهِ فِي الزِّنَا: وَإِنَّ رَجُلًا قَالَ لِصَاحِبِهِ: انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَدَعْ نَفْسَهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ كُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ - لِحِمَارٍ مَيِّتٍ -، فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ هَذَا الرَّجُلِ أَشَدُّ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ الْجِيفَةِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ، فَهَاجَتْ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ : هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا الْوَعِيدُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ، لَكِنَّ تَقْيِيدَهُ فِي بَعْضِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ قَدْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ بِحَقٍّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ.

ثم ذكر المصنف حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عَلَى قَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْغِيبَةِ بَلْ فِيهِ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا تَرْجَمَ بِالْغِيبَةِ وَذَكَرَ النَّمِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا ذِكْرُ مَا يَكْرَهُهُ الْمَقُولُ فِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْغِيبَةُ نَوْعٌ مِنَ النَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ لَغَمَّهُ. قُلْتُ: الْغِيبَةُ قَدْ تُوجَدُ فِيِ بَعْضِ صُوَرِ النَّمِيمَةِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي غِيبَتِهِ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَسُوؤُهُ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْإِفْسَادَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ الَّذِي كَانَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ الْغِيبَةِ صَرِيحًا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ، فَأَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ - فَذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَقَالَ فِيهِ - أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَغْتَابُ النَّاسَ الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا


(١) بياض بأصله.
(٢) في نسخة العمدة.