للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَدِيثًا قَالَ فِيهِ: فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ لِي: مَنْ هَذَا؟ فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ: اسْكُتْ لَا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فُلَانٌ وَهَذَا وَهَذَا، وَفِي أُخْرَى لَهُ: هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً، أَوْ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْحَدِيثَ. وَالَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ مِحْجَنُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو النِّجَادَيْنِ الْمُزَنِيُّ، فَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ مَا يُقَرِّبُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَيُطْرِيهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِطْرَاءِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَدْحِ، وَسَأَذْكُرُ مَا وَرَدَ فِي بَيَانِ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمِدْحَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ مَضَتْ فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْمَدْحِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا هَاءٍ، وَفِي أُخْرَى فِي مَدْحِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَزِيَادَةِ الضَّمِيرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ - أَوْ قَطَعْتُمْ - ظَهْرَ الرَّجُلِ) كَذَا فِيهِ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ: قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ. وَهُمَا بِمَعْنًى، وَالْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْهَلَاكُ لِأَنَّ مَنْ يُقْطَعُ عُنُقُهُ يُقْتَلُ وَمَنْ يُقْطَعُ ظَهْرُهُ يَهْلِكُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (عَنْ خَالِدٍ) هُوَ الْحَذَّاءُ، وَصَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

قَوْلُهُ: (أنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا)، وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا لَعَلَّهُ يَعْنِي الصَّلَاةَ لِمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَيْحَكَ) هِيَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَتَوَجُّعٍ، وَوَيْلٌ كَلِمَةُ عَذَابٍ، وَقَدْ تَأْتِي مَوْضِعَ وَيْحٍ كَمَا سَأَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ يَقُولُهُ مِرَارًا) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ الَّتِي مَضَتْ فِي الشَّهَادَاتِ: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، مِرَارًا. وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الَّتِي سَأُنَبِّهُ عَلَيْهَا بَعْدُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا.

قَوْلُهُ: (إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ.

قَوْلُهُ: (لَا مَحَالَةَ) أَيْ لَا حِيلَةَ لَهُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَهِيَ بِمَعْنَى لَا بُدَّ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَوْلِ أَيِ الْقُوَّةُ وَالْحَرَكَةُ.

قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُظَنُّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ: إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ.

قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ حَسِيبُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيه وَبَعْدَ التَّحْتَانِيَّةِ السَّاكِنَةِ مُوَحَّدَةٌ أَيْ كَافِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا فَعِيلٌ مِنَ الْحِسَابِ أَيْ مُحَاسَبَةٌ عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ، وَهِيَ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هِيَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَقُولِ، وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ فَلْيَقُلْ، وَالْمَعْنَى فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ أَنَّ فُلَانًا كَذَا إِنْ كَانَ يُحْسَبُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ سِرَّهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَازِيهِ، وَلَا يَقُلْ أَتَيَقَّنُ وَلَا أَتَحَقَّقُ جَازِمًا بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُزَكَّى عَلَى اللَّهِ أَحَدٌ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَلَا يُزَكِّي بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا الْمَقُولُ لَهُ فَلْيَقُلْ، وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ وَلَا أُزَكِّي بِهَمْزَةٍ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ لَا أَقْطَعُ عَلَى عَاقِبَةِ أَحَدٍ وَلَا عَلَى مَا فِي ضَمِيرِهِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُغَيَّبًا عَنْهُ، وَجِيءَ بِذَلِكَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ لَا تُزَكُّوا أَحَدًا عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِكُمْ مِنْكُمْ.

قَوْلُهُ: (قَالَ وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ) يَعْنِي بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ (وَيْلَكَ) أَيْ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ وَيْلَكَ بَدَلَ وَيْحَكَ، وَسَتَأْتِي رِوَايَةُ وُهَيْبٍ مَوْصُولَةً فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ، وَيَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هُنَاكَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَاصِلُ النَّهْيِ أَنَّ مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْحِ آخَرَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى الْمَمْدُوحِ الْعُجْبَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَلَ وَالِازْدِيَادَ مِنَ الْخَيْرِ اتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ، وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَمْدَحُ النَّاسَ فِي وُجُوهِهِمْ بِالْبَاطِلِ، وَقَالَ عُمَرُ: الْمَدْحُ هُوَ الذَّبْحُ. قَالَ: وَأَمَّا مَنْ مُدِحَ بِمَا فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، فَقَدْ مُدِحَ فِي الشِّعْرِ وَالْخُطَبِ وَالْمُخَاطَبَةِ وَلَمْ يَحْثُ فِي وَجْهِ مَادِحِهِ تُرَابًا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.