عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي التَّعْبِيرِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الرُّؤْيَاتِ الصَّالِحَةِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الِاقْتِصَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا كَانَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ، كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ، وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وَهَذَا مَحْمُودٌ وَمَذْمُومٌ بِالنِّسْبَةِ، وَالثَّانِي: مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ كَالْجُودِ؛ فَإِنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْبُخْلِ، وَكَالشَّجَاعَةِ فَإِنَّهَا مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ التَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ وَنَصَّ الْبُخَارِيُّ لَفْظَهُ، وَلَكِنَّهُ حُذِفَ مِنْ آخِرِهِ قَوْلُ أَبِي أُسَامَةَ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُمامَةَ، وَقَالَ: نَعَمْ وَشَقِيقٌ هُوَ أَبُو وَائِلٍ.
قَوْلُهُ: (دَلًّا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُوَ حُسْنُ الْحَرَكَةِ فِي الْمَشْيِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الطَّرِيقِ.
قَوْلُهُ: (وَسَمْتًا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ هُوَ حُسْنُ الْمَنْظَرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقَصْدِ فِي الْأَمْرِ وَعَلَى الطَّرِيقِ وَالْجِهَةِ.
قَوْلُهُ: (وَهَدْيًا) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْهَدْي وَالدَّلُّ مُتَقَارِبَانِ، يُقَالُ فِي السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَفِي الْهَيْبَةِ وَالْمَنْظَرِ وَالشَّمَائِلِ قَالَ: وَالسَّمْتُ يَكُونُ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْمَنْظَرِ مِنْ جِهَةِ الْخَيْرِ، وَالدِّينِ لَا مِنْ جِهَةِ الْجَمَالِ وَالزِّينَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَكِلَاهُمَا جَيِّدٌ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ هَيْئَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (لِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهِيَ تَأْكِيدٌ بَعْدَ التَّأْكِيدِ بِأَنَّ الْمَكْسُورَةَ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ لِابْنِ مَسْعُودٍ جَلِيلَةٌ لِشَهَادَةِ حُذَيْفَةَ لَهُ بِأَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ شَبَهًا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، وَفِيهِ تَوَقَّى حُذَيْفَةُ حَيْثُ قَالَ: مِنْ حِينِ يَخْرُجُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ مُشَاهَدَتُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ لِأَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ إِذَا خَلَا يَكُونُ فِي انْبِسَاطِهِ لِأَهْلِهِ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ عَنْ هَيْئَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَهْلِهِ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ نَقْصٍ فِي حَقِّ عَبْدِ اللَّهِ ﵁. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى سَمْتِهِ وَهَدْيِهِ وَدَلِّهِ فَيَتَشَبَّهُونَ بِهِ، فَكَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ حُسْنَ الْهَدْيِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ الْعَمَلِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، فَكَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لِأَجْلِ هَذَا كَانَ يَحْرِصُ عَلَى حُسْنِ الْهَدْيِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ بِقَوْلِ حُذَيْفَةَ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُ مَالِكٍ كَانَ عُمَرُ أَشْبَهَ النَّاسِ بِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَشْبَهُ النَّاسِ بِعُمَرَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَبِعَبْدِ اللَّهِ ابْنُهُ سَالِمٌ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وَقَوْلُ حُذَيْفَةَ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقِ الشَّبَهِ بِحَمْلِ شَبَهِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالسَّمْتِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ بِالْقُوَّةِ فِي الدِّينِ وَنَحْوِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَقَالَةُ حُذَيْفَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ، ويُؤَيِّدُ قَوْلَ مَالِكٍ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَلْزَمَ لِطَرِيقِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ عُمَرَ، وَفِي السُّنَنِ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ فَاطِمَةَ ﵍ قُلْتُ: وَيُجْمَعُ بِالْحَمْلِ فِي هَذَا عَلَى النِّسَاءِ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَدْيِ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ.
قُلْتُ: وَيُجْمَعُ بِالْحَمْلِ عَلَى مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ: حَجَّ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ صَلَاةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute