اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا يا رسول الله، قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قال: كيف إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ.
[الحديث ٥٩ - طرفه في: ٦٤٩١]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا، وهو مُشْتَغِلٌ) مُحَصَّلُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَدَبِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، أَمَّا الْعَالِمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَرْكِ زَجْرِ السَّائِلِ، بَلْ أَدَّبَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ أَوَّلًا حَتَّى اسْتَوْفَى مَا كَانَ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جَوَابِهِ فَرَفَقَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْرَابِ وَهُمْ جُفَاةٌ. وَفِيه الْعِنَايَةِ جَوَابُ سُؤَالِ السَّائِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ السُّؤَالُ مُتَعَيِّنًا وَلَا الْجَوَابُ، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَدَبِ السَّائِلِ أَنْ لَا يَسْأَلَ الْعَالِمَ، وهو مُشْتَغِلٌ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ مُقَدَّمٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَخْذُ الدُّرُوسِ عَلَى السَّبْقِ، وَكَذَلِكَ الْفَتَاوَى وَالْحُكُومَاتِ وَنَحْوُهَا. وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ الْعَالِمِ إِذَا لَمْ يَفْهَمْ مَا يُجِيبُ بِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ، لِقَوْلِهِ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ: إِبَاحَةَ إِعْفَاءِ الْمَسْئُولِ عَنِ الْإِجَابَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَكِنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ حُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا فِي الْخُطْبَةِ فَقَالُوا: لَا نَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِسُؤَالِ سَائِلٍ، بَلْ إِذَا فَرَغَ نُجِيُبُهُ. وَفَصَلَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ وَاجِبَاتِهَا فَيُؤَخِّرُ الْجَوَابُ، أَوْ فِي غَيْرِ الْوَاجِبَاتِ فَيُجِيبُ.
وَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَلَا سِيَّمَا إِنِ اخْتَصَّ بِالسَّائِلِ فَيُسْتَحَبُّ إِجَابَتُهُ ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ، وَكَذَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤَخَّرُ، وَكَذَا قَدْ يَقَعُ فِي أَثْنَاءِ الْوَاجِبِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْجَوَابِ، لَكِنْ إِذَا أَجَابَ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ مُهِمَّةً فَيُؤَخَّرُ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى. وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الَّذِي سَأَلَ عَنِ السَّاعَةِ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَأَجَابَهُ. أَخْرَجَاهُ. وَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِهِ ضَرُورَةٌ نَاجِزَةٌ فَتُقَدَّمَ إِجَابَتُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي رِفَاعَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وهو يَخْطُبُ: رَجُلٌ غَرِيبٌ لَا يَدْرِي دِينَهُ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، فَتَرَكَ خُطْبَتَهُ وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يُعَلِّمُهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا. وَكَمَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الضَّبِّ. وَكَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ سَالِمٍ (١) لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ: أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: كَانَتِ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَعْرِضُ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُ النَّبِيَّ ﷺ حَتَّى رُبَّمَا نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وُقُوعُ ذَلِكَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (فُلَيْحٌ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ، مِنْ طَبَقَةِ مَالِكٍ، وهو صَدُوقٌ، تَكَلَّمَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي حِفْظِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ فِي الْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ وَمَا شَاكَلَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَفْرَادِهِ وَهَذَا مِنْهَا. وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ عَالِيًا عَنْ فُلَيْحٍ بِوَاسِطَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فَقَطْ ثُمَّ أَوْرَدَهُ نَازِلًا بِوَاسِطَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فَقَطْ، فَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ هُنَا طَرِيقًا أُخْرَى، وَلِأَجْلِ نُزُولِهَا قَرَنَهَا بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَهِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ يُقَالُ لَهُ: هِلَالُ بْنُ أَبِي
(١) كذا في النسخ، وصوابه"سليك" كما في صحيح مسلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute